في خطوة وصفت بأنها الأهم منذ اندلاع الحرب على غزة قبل عامين، تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس»، برعاية مصرية قطرية تركية، وبدعم أمريكي مباشر.

وجاء الاتفاق ثمرة مفاوضات ماراثونية، وتركزت حول تفاصيل المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإنهاء الصراع في غزة، حيث أدت الدول العربية دوراً كبيراً في إقناع «حماس» في ظل وجود إرادة سياسية راسخة ورؤية عادلة لإنهاء حرب الإبادة والتجويع في غزة.

يقضي الاتفاق بأن تفرج حركة «حماس» عن نحو 20 محتجزاً إسرائيلياً على قيد الحياة دفعة واحدة، مقابل إفراج إسرائيل عن قرابة ألفي أسير فلسطيني، بينهم 250 من أصحاب الأحكام المؤبدة و1700 آخرين اعتُقلوا منذ بداية الحرب.

ومن المقرر تنفيذ عملية التبادل خلال 72 ساعة من بدء سريان الاتفاق، وسط ترتيبات أمنية دقيقة بإشراف الوسطاء.

انسحاب تدريجي

ويتضمن الاتفاق انسحاباً تدريجياً للقوات الإسرائيلية من المناطق التي اقتحمتها داخل قطاع غزة، وصولاً إلى «الخط المتفق عليه» مع الوسطاء.

وسيكون الانسحاب على مراحل متزامنة مع تقدم تنفيذ بنود التبادل، بما يضمن عدم انهيار التفاهمات الأمنية أو عودة الاشتباكات مجدداً.

كما نص الاتفاق على فتح المعابر بشكل شبه كامل، وإدخال ما لا يقل عن 400 شاحنة مساعدات يومياً خلال الأيام الخمسة الأولى، مع رفع العدد تدريجياً، إلى جانب السماح بعودة النازحين من جنوب القطاع إلى مناطق وسط وشمال غزة فور بدء سريان وقف إطلاق النار.

أما يوم غد السبت 11 أكتوبر، فقد حدد موعداً لتسليم القوائم النهائية للأسرى وتسليم الجثامين، على أن تتواصل عملية الانسحاب الإسرائيلي من المناطق المأهولة بالتوازي مع ذلك.

وفي حديثه لـ«البيان»، أكد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبدالمهدي مطاوع، أن «اتفاق شرم الشيخ يمثل محطة مفصلية في مسار الحرب»، مشيراً إلى أنه «يرسخ خطة ترامب ويمنح أملاً حقيقياً بإنهاء القتال الممتد منذ عامين».

وأضاف: «تبادل الرهائن والأسرى خطوة مهمة باتجاه استكمال باقي المراحل، وتجاوز عقبات التنفيذ الحالية سيمنح الاتفاق زخماً نحو تثبيت وقف النار الدائم».

لكن مطاوع حذر في الوقت ذاته من احتمال حدوث خروقات، معتبراً أن «أي خلل في التنفيذ يحتاج إلى مبرر كبير يصعب تبريره أمام الإدارة الأمريكية أو الرأي العام الإسرائيلي».

واختتم بالقول: «ربما نكون اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى نهاية الحرب فعلاً، لكن اختبار الأيام المقبلة سيحدد ما إذا كان اتفاق شرم الشيخ بداية لحل نهائي... أم هدنة مؤقتة سرعان ما تتبدد».

المرحلة الأولى

الاتفاق الذي أُعلن عنه في شرم الشيخ يمثل المرحلة الأولى فقط من خطة ترامب، التي تمتد إلى نحو 20 بنداً.

وتشمل المراحل اللاحقة ملفات أكثر حساسية، أبرزها نزع سلاح حركة «حماس»، وإدارة قطاع غزة عبر هيئات فلسطينية مهنية بإشراف دولي، إلى جانب إعادة الإعمار وتعزيز البنية التحتية، بما يضمن استقراراً طويل الأمد في القطاع.

ويرى مراقبون أن نجاح هذه المرحلة سيمهد الطريق لتطبيق بقية البنود، وأن أي إخفاق في تنفيذها قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر.

اشتراطات

خبير الشؤون الإسرائيلية، أحمد فؤاد أنور، أكد لـ«البيان» أن تثبيت هذا الاتفاق واستدامة السلام «مرهون بعوامل موضوعية وأخلاقية وسياسية رئيسية». وأضاف أنور أن الدور العربي المحوري في إدارة التفاهمات يمثل «صمام الأمان الحقيقي للاتفاق».

مؤكداً أن الدول العربية أثبتت، رغم الحرب النفسية والضغوط، أن «الضغوط لا تجدي مع الدولة العربية التي تمتلك إرادة سياسية راسخة ورؤية عادلة لا تنحاز إلا للحلول المتوازنة».

ولفت إلى أن «العالم يحترم الأقوياء، واليوم المجتمع الدولي بدأ يعيد النظر في مواقفه، بعدما أدرك أن القوة المفرطة لم تحقق لإسرائيل ما أرادته».

ويرى أنور أن الرؤية العربية القائمة على العدالة هي المفتاح لتثبيت السلام، مشدداً على أن الحل الحقيقي يكمن في إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، باعتباره الأساس الذي يوفر الأمن والاستقرار ويُنهي دوامة العنف المتكررة.

ويضيف: «القوة وحدها لا تصنع السلام، بل العدل هو الذي يحقن الدماء ويضمن سلاماً دائماً». ويختم أنور بالتحذير من مغبة تحويل هذا الإنجاز إلى مجرد هدنة جديدة تُستَغل لترتيب موازين القوى من جديد، مؤكداً أن «الرهان الحقيقي اليوم هو على استمرار التماسك العربي والإرادة التي أثبتت قدرتها على صياغة حلول سلمية ناجحة دون اللجوء إلى القوة الخشنة».