التوقيت الذي ألمحت فيه مصر إلى فكرة نشر قوات دولية في غزة - وهي وفق مراقبين، فكرة جاذبة وتحول دبلوماسي هدفه الأساس وقف الحرب الدامية على قطاع غزة، وقطع الطريق على إبقاء إسرائيل جيشها في القطاع - لا يخلو هذا التوقيت من مغزى، لاسيما بعد أن أوصدت أبواب الدبلوماسية، بعد العدوان الإسرائيلي الذي استهدف الدوحة، وهي من رعاة العملية السياسية، فهل سيشهد الفلسطينيون خريفاً يولد من رحمه ربيعٌ فلسطينيٌ يوقف حرب الإبادة، ويسجل مولود الدولة الفلسطينية، في أروقة الهيئات الدولية؟
أسئلة فرضت نفسها، فيما بدا كأنه تجديد للفكرة القديمة، والتي سبق أن ترددت في الأشهر الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ولم تجد من يتبناها بشكل رسمي، ووصفت في حينه بأنها أحد مداخل إحياء الدور الدولي، بما يساعد الفلسطينيين على الخروج من الحرب الكارثية.
وفيما تكثف مصر جهودها السياسية، لإنعاش هدنة الـ60 يوماً، وفقاً للمقترح الأمريكي، ووقف مخطط توسيع الحرب، تبدي القاهرة انفتاحاً على مشروع نشر قوات دولية في قطاع غزة، وهو الطرح ذاته الذي يتكرر بصيغ مختلفة منذ اندلاع الحرب، التي توشك أن تقفل عامها الثاني.
ووفق مقربين من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لا بد من وجود قوات دولية تتولى مساعدة السلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة بعد الحرب، الأمر ذاته الذي كانت ألمحت إليه القاهرة، منتظرة الردود من هنا وهناك، وإن كان هذا الخيار قابلاً للتنفيذ.
وهناك في السلطة الفلسطينية من ألمح إلى نقاشات تجري مع دبلوماسيين غربيين ومسؤولين أوروبيين، بشأن نشر قوات دولية في غزة، لكن لا مواقف رسمية حتى الآن، وكل ما يجري يمكن وصفه ببالونات اختبار، ولا يعدو كونه تسريبات ناجمة عن نقاشات أو مقترحات غير رسمية لا أكثر.
سيناريوهات
ووفق الكاتب والمحلل السياسي، هاني المصري، فإن هناك سيناريوهات عدة لما بعد الحرب على غزة، ومن بينها نشر قوات دولية، مبيناً أن المؤيدين لهذا الخيار محصورون في السلطة الفلسطينية، وبعض الدول العربية الوازنة بهدف إعادة السيطرة الأمنية على قطاع غزة.
أما الرافضون للفكرة، فهم حركة حماس، وبعض الفصائل الفلسطينية، ومن بينها الجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحجتهم في ذلك، أن هذه الفكرة ستعطي لإسرائيل الحق في التدخل في قطاع غزة متى تشاء، إذ أن دخول هذه القوات إلى القطاع مرهون بموافقة إسرائيل، وهذا أمر ترفضه الفصائل آنفة الذكر.
فرص تصادم
ويرى مراقبون، أن عدم رضا هذه الفصائل عن دخول قوات دولية إلى قطاع غزة، سيخلق فرصة للتصادم معها، خصوصاً أن جانباً من مهامها السيطرة الأمنية على القطاع، ومنع العمليات الموجهة نحو المستوطنات الإسرائيلية.
وفي تفسير هذه الفكرة، يطفو جبل من الأسئلة المشروعة: فهل ستكون القوات الدولية بمثابة قوات حفظ سلام تسهم في تحقيق الأهداف المرجوة بوقف الحرب الدامية؟ وهل ستمتد مهامها إلى تأمين حدود قطاع غزة مع كل من إسرائيل ومصر؟ وهل تكون تعبيراً عن دور دولي جديد بالنسبة للفلسطينيين؟ وهل ستقف أمام أي تدخل عسكري إسرائيلي أم ستظل على الحياد؟ وهل سيكون من مهامها نزع سلاح حركة حماس أم مجرد وقف الهجمات المسلحة؟ وماذا لو لم تقبل حركة حماس تعليمات هذه القوات؟ إنها قائمة طويلة من الأسئلة، وربما إشكالية جديدة قد ينقسم حولها الفلسطينيون.