تحوّل المزاج الدولي لصالح الاعتراف الأوسع بفلسطين، بات واضحاً، مذيباً جليد سنوات طوال من التجاهل للقضية برمتها، ودليل ذلك الأغلبية الساحقة المؤيدة لحل الدولتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والاعترافات الأوروبية والعالمية المتتالية بدولة فلسطين.

مرّرَت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلاناً جديداً بشأن فلسطين بأغلبية 142 صوتاً مؤيداً مقابل 10 أصوات معارضة و12 امتناعاً، ذلك الإعلان الذي دعا إلى خطوات ملموسة ومحددة زمنياً نحو حل الدولتين، إلى جانب إدانة هجمات 7 أكتوبر، كما شدد على ضرورة قيام حكومة فلسطينية لا تضم "حركة حماس"، مع طرح خيار بعثة استقرار دولية مؤقتة في غزة، ورغم أن القرار غير ملزم قانونياً، إلا أنه يُمثل مؤشراً سياسياً قوياً على تحوّل المزاج الدولي لصالح الاعتراف الأوسع بفلسطين.

هذا التصويت لم يأتِ من فراغ؛ فقد كان امتداداً لمسار بدأ في 10 مايو 2024 عندما اعتمدت الجمعية العامة قراراً يوسّع امتيازات فلسطين كدولة مراقِبة ويحضّ مجلس الأمن على إعادة النظر في عضويتها الكاملة، غير أن الولايات المتحدة أوضحت اعتراضها على بنود أساسية من القرار، خاصة تلك المتعلقة بـ"حق العودة"، لتؤكد عملياً استمرار تعطيلها لمسار العضوية الكاملة في مجلس الأمن.

تصويت الجمعية العامة اليوم لا يغيّر قواعد اللعبة القانونية فوراً، لكنه يعكس تحولاً سياسياً متسارعاً: العالم يعترف أكثر بفلسطين، بينما تواصل واشنطن تعطيل العضوية الكاملة، وبين الدفع المتدرج والانتظار الطويل، يبقى التحدي الأساسي هو ترجمة الزخم الدولي إلى واقع ملموس على الأرض، بما يضمن ألا يتبدّد هذا الاعتراف المتنامي في فراغ سياسي وأمني.

تأثيرات مباشرة

بدأت موجة اعترافات أوروبية متتابعة خلال العام الأخير؛ إسبانيا وإيرلندا والنرويج (مايو 2024) ثم سلوفينيا (يونيو 2024). هذا التحرك مهّد لتكتل أوسع داخل الاتحاد الأوروبي. وفي صيف 2025، أعلنت دول غربية إضافية منها (فرنسا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وبلجيكا) عن نيتها الاعتراف بفلسطين خلال سبتمبر 2025، وإن بشروط متفاوتة بين انتخابات فلسطينية جديدة، واستبعاد "حماس" من الحكم، أو تحسين الأوضاع الإنسانية.

تصويت اليوم يوفر لهذه الدول غطاءً سياسياً إضافياً، ومن المرجح أن يتحول إلى رافعة لتثبيت موجة اعترافات جديدة خلال اجتماعات رفيعة المستوى على هامش الدورة الحالية للجمعية العامة، بما قد يخلق كتلة حرجة تُحدث ضغطاً متزايداً على مسار التسوية.

مسارات محتملة

■ المسار الدبلوماسي والقانوني

التوقعات تشير إلى تزايد بيانات الاعتراف الثنائية ورفع مستوى البعثات الفلسطينية في عواصم العالم. كما يُرجَّح أن يتحرك الاتحاد الأوروبي نحو تدابير مكمّلة مثل حظر منتجات المستوطنات، أو مراجعة الصادرات العسكرية لإسرائيل، كما فعلت إسبانياً أخيراً، وكما فعلت سلوفينيا قبلها حين حظرت منتجات المستوطنات.

■ حكومة انتقالية

هناك ضغط دولي لتشكيل حكومة فلسطينية انتقالية تستبعد "حماس" في غزة والضفة، مع تعزيز دور السلطة الفلسطينية، وربما إدخال بعثة استقرار دولية لضبط الأمن ودعم الخدمات. ويتوقف نجاح هذه الخطة على توافق معقّد بين الفلسطينيين والعرب والداعمين الدوليين، إضافة إلى الترتيبات الأمنية عند حدود غزة.

■ عضوية كاملة

رغم الزخم في الجمعية العامة، يظل الفيتو الأميركي العائق الأكبر أمام عضوية فلسطين الكاملة، لذلك يتركز الجهد الواقعي على توسيع قاعدة الاعترافات الدولية وتدويل ترتيبات المرحلة الانتقالية، مع إبقاء ملف العضوية الكاملة مؤجَّلاً بانتظار تغيّر التوازنات. تصويت اليوم عزّز الغطاء السياسي لدول مترددة؛ فألمانيا التي دعمت القرار، اعتبرت أن التوقيت غير مناسب للاعتراف الفوري، ما يعكس تبايناً في إيقاع الاعتراف الأوروبي لا في مبدئه.

عقبات ومخاطر

■ الاشتراطات الغربية: الاعترافات المشروطة بانتخابات فلسطينية وباستبعاد "حماس" قد تُبطئ التحرك وتخلق مسارين متوازيين؛ اعتراف غير مشروط من دول الجنوب العالمي، مقابل اعترافات مشروطة من دول أوروبا.

■ الرفض الأميركي–الإسرائيلي: القرار قد يُصنَّف "أحادياً"، ما قد يؤدي إلى ردود دبلوماسية أو إجراءات اقتصادية وقانونية مضادة، ويُبقي مسار مجلس الأمن مغلقاً.

■ الواقع الميداني: هشاشة الوضع الأمني في غزة واستمرار الاستيطان في الضفة قد يُفرغان القرار من مضمونه إذا لم تُترجم الخطوات على الأرض.

سيناريوهات

■ الدفع المتدرج (الأرجح): اعترافات إضافية، وتنسيق فني لبعثة استقرار، ودعم مالي لإصلاح السلطة. مع تأجيل الخوض في مسألة العضوية الكاملة، لكن مكانة فلسطين الأممية تتعزز.

■ التعثر: الانقسام الفلسطيني الداخلي أو تعطيل أمني قد يعرقل الاعترافات الغربية ويعيد الملف إلى دائرة الفيتو الأميركي بلا تقدم ملموس.

■ الاختراق (أقل ترجيحاً): صفقة دولية أوسع تربط وقف إطلاق النار بترتيبات انتقالية في غزة، فتسمح باعترافات غربية جماعية وتخفيف الاعتراضات في مجلس الأمن.