مع استمرار الحرب في قطاع غزة منذ أكثر من عامين، يترقب السكان والجهات الإقليمية اللحظة الحاسمة التي قد تغير مصير القطاع بالكامل. في وقت تصر فيه إسرائيل على المضي قدماً بخطط الحسم العسكري وفرض شروط الاستسلام على حركة حماس، تحذر مصر من كارثة إنسانية محتملة وتؤكد استعدادها لتنفيذ خطة اليوم التالي لضمان حماية المدنيين. ومع تنامي الغموض حول المرحلة المقبلة، يظل مصير غزة وأهله معلقاً بين تصاعد العنف والتوترات السياسية، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة التنسيق مع تل أبيب لتجنب الانفجار الكامل للصراع.

وربما تشير العديد من الشواهد إلى أن أطول جولة في الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة تقترب بشدة من اللحظة الحرجة، في ظل رفض تل أبيب التجاوب مع الجهود المصرية والقطرية وإضافة المزيد من الشروط التي تعود بالأمور إلى نقطة الصفر كلما اقتربت جهود التسوية السياسية من تحقيق انفراجة على صعيد إنهاء الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، وذلك بحسب بعض الإسرائيليين أنفسهم ومنهم عائلات الرهائن المحتجزين في القطاع الذين يلقون باللوم على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومعسكر اليمين المتطرف في استمرار الحرب و"التضحية" بأبنائهم.

وبينما لم تجد العديد من التساؤلات بشأن مصير قطاع غزة وأهله حال إقدام إسرائيل على تنفيذ تهديدها باجتياح مدينة غزة وإخضاع القطاع بالكامل لسيطرتها، يسلط محللون الضوء على موقف الوسيط المصري الرافض بشدة للخطط الإسرائيلية والمحذر، شأنه شأن العديد من القوى الإقليمية والدولية، من مغبة هذه الخطوة.

فمصر التي أعربت مرارا وتكرارا عن رفضها تهجير أهل غزة طوعا أو قسرا من القطاع، أكدت على لسان وزير خارجيتها بدر عبدالعاطي، أكثر من مرة أن خطة التعامل مع اليوم التالي لانتهاء الحرب جاهزة وأنها اتخذت خطوات فعلية لتطبيقها.

وربما اللافت هنا أن القاهرة تصر على هذه الرؤية التي تتعارض تماما مع المنظور الإسرائيلي. وكان أحدث تأكيد عليها خلال مباحثات مصرية قطرية الخميس الناضي في القاهرة، بينما تشرع إسرائيل في اتخاذ خطوات عملية نحو بدء اجتياح مدينة غزة والدفع بأهله نحو جنوب القطاع في إطار مساعيها لتنفيذ مخطط التهجير، الذي يحذر مراقبون من أنه ينذر باحتكاك خشن بين مصر وإسرائيل اللتين تربطهما معاهدة سلام منذ عشرات السنين.

ومع انسداد أفق الحل السياسي، تكثف إسرائيل والولايات المتحدة التنسيق الثنائي بشأن المرحلة المقبلة. وفي هذا السياق، ذكرت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر عرض على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "الخطوط الحمراء" الإسرائيلية بشأن خطة اليوم التالي في غزة.

وفي الوقت الذي تحظى فيه إسرائيل بضوء أخضر أمريكي لإنهاء الوضع في القطاع، كشف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن رؤيته لحسم المعركة ضد حماس، قائلا في مؤتمر صحفي الخميس إن "دولة إسرائيل ليس لديها الامتياز أن تنهي المعركة في غزة دون نصر، هناك خيار واحد فقط - الحسم والنصر".

وبحسب خطة سموتريتش سيتم توجيه إنذار نهائي لحماس، فإما الاستسلام أو الحسم. وتضمن السيناريو الأول إطلاق سراح جميع المحتجزين الأحياء والجثث دفعة واحدة وتفكيك كامل للسلاح والبنى التحتية "للإرهاب" مع خروج قادة حماس ومسلحيها من القطاع وفتح ممر للهجرة الطوعية للغزيين.

وفي حال رفضت الحركة، تلجأ إسرائيل لسيناريو الحسم العسكري من خلال تفكيك ما تبقى من أطر عسكرية لحماس عبر عملية عنيفة وفرض حصار على مدينة غزة ومخيمات المحافظة الوسطى.

ويتزامن التصعيد العسكري، بموجب رؤية سموتريتش، مع فصل حماس عن السكان المدنيين من خلال سيطرة إسرائيل على إدارة المساعدات الإنسانية ومنع وصولها إلى الحركة، فضلا عن ضم تدريجي لأراضي القطاع وتنفيذ تصور ترامب للهجرة الطوعية لسكان القطاع.

ويرى مراقبون أن إسرائيل من خلال هذا الطرح وغيره من الرؤى المشابهة، أغلقت نافذة التفاوض وحسمت أمرها بأن تتجه إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، وفقا لتحذيرات من كبار العسكريين الإسرائيليين، من خلال إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل.

ويرى محللون أن إسرائيل ربما تنسف أحياء كاملة وتقتل المزيد من الفلسطينيين في سعيها لتنفيذ رؤية نتنياهو وحلفائه في الائتلاف الحاكم، لكنهم يشككون في قدرتها على حسم المعركة تماما، متسائلين عن جديد ما يمتلكه الجيش الإسرائيلي الذي يخوض مواجهات على جبهات عدة ليحسم تلك الحرب المستمرة منذ نحو عامين.

ووسط حالة من عدم اليقين يتخوف كثيرون من أن تحمل المرحلة المقبلة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من المخاطر ما يتعدى حدود إضافة المزيد من القتلى الفلسطينيين إلى سجل حافل بعشرات الآلاف ممن سبقوهم، إلى سيناريو مواجهة شاملة تضع المنطقة برمتها في مهب الريح.