كان الحزن الذي يلف قطاع غزة منذ عام ونصف العام يعبر عن التأثير العابر للحدود، الذي حفره رحيل أشقاء كثر، وأحياناً عائلات بأكملها، لكن حصة عائلة أبو سيف من هذا الحزن كانت بحجم العلاقة الطفولية النادرة للتوأم سنا وصبا، رغم أنها لم تزد على 4 أعوام.
كانت الطفلتان تلهوان في منزلهما في حي التفاح بمدينة غزة، وأقرب إلى الخلود إلى النوم، عندما حول صاروخ إسرائيلي المكان الذي كانتا فيه إلى حطام، موقعاً العشرات من الضحايا، بينهم 10 أطفال.
«الأطفال يسقطون فجأة وهم يلعبون، وأحياناً وهم نائمون، دون أي ذنب اقترفوه»، هكذا علق هاشم بني عامر من بلدة خزاعة قرب خانيونس، منوهاً بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية لا تتوانى عن استهداف الأطفال، ولا تفرق بين عموم المدنيين الأبرياء، فتطلق صواريخها بشكل عشوائي.
ودون أي وازع. وأضاف لـ«البيان»: «قبل أيام سقط أمامي 3 أطفال، بينما كانوا يلعبون على دراجات هوائية، فأصيب الأهالي بالذهول، عندما استهدف القصف الأطفال المحتشدين للعب.. الجيش الإسرائيلي لا يتخذ أي تدابير لتجنب قصف الأطفال، بل إنه في أحيان كثيرة يتعمد قتلهم».
وأشار هاشم بني عامر إلى حادثة أخرى تقطر ألماً، كان ضحيتها الطفل أركان النجار ذا الخمسة أعوام، الذي كان يتضور جوعاً، فاصطحبته جدته معها على أمل العودة بشيء يسد الرمق، لكن شظايا صاروخ أصابته على مقربة من مركز لتوزيع الطعام، ووضعت حداً لحياته.
وبقدر سقوط الضحايا من الأطفال إثر الغارات المستمرة على مختلف أرجاء قطاع غزة يصاب أضعافهم إما بجراح وإما بالذعر والصدمات النفسية، ولعل ما جرى أخيراً في حي الشجاعية ومحيط المستشفى المعمداني وحي الدرج وجباليا وخانوينس، أمثلة حية على تعمد استهداف الأطفال، ما يفجع عائلاتهم، التي تقف عاجزة عن توفير الحماية لهم، حتى وهم في خيام نومهم.
واقع أليم
وتلخص سوزان النجار من خانيونس واقع الحال الذي يمر به أطفال غزة، مبينة أنها كانت شاهدة على العديد من الأطفال وهم يحتضرون قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة، إثر المجزرة، التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في مواصي خانيونس، موضحة:
«شاهدت جثامين مقطعة، وأشلاء محترقة لأطفال كانوا غارقين في النوم، قبل أن يغرقوا في الدماء والرمل، وشعرت بالقهر والسخط وأنا أشاهد أطفالاً آخرين مذعورين، غير قادرين على الهرب أو حتى الصراخ».
وتابعت: «كان من بين الضحايا 6 أطفال تفحمت أجسادهم بشكل كامل، وكانت المشاهد مأساوية ومروعة، ولن تمحو الأيام تفاصيلها وقسوتها، ومثل كل يوم، لا تتوقف الطائرات الحربية الإسرائيلية عن التحليق تمهيداً لشن غاراتها، ولا تهدأ أصوات الانفجارات، ويتوالى سقوط الضحايا، وأغلبيتهم أطفال لم يفعلوا شيئاً، ولم يحملوا السلاح».
مآسٍ
وفي مشهد آخر من مخيم جباليا شمال قطاع غزة لم تُنسِ الإصابات البالغة والحروق العميقة، التي تعرض لها محمود الهسي وزوجته، السؤال عن مصير الأبناء الثلاثة، ليدركا مصيرهم المحتوم، إذ لم يعثروا على أي أثر لهم في محيط منزل العائلة، الذي تعرض لقصف عنيف.
لكن ما هي إلا دقائق، حتى جاءهم النبأ اليقين، من أحد أفراد جهاز الدفاع المدني، بأن أجساد الأطفال الثلاثة وجدت معلقة على أشجار زيتون، على بعد أكثر من 50 متراً من منزل العائلة، وقد حولتها شدة الانفجار إلى أشلاء.
