هل انقلبت أمريكا وإسرائيل على مفاوضات وقف إطلاق النار في الدوحة، وتهربت من التزاماتها؟.. وما هو مصير الصفقة في ظل المجازر اليومية ومشاهد الدماء والدمار في قطاع غزة؟.. أسئلة فرضت نفسها في الشارع في غزة، بينما كان يترقب هدنة ثانية، تضع حداً لشلال الدم.

في تل أبيب، وخوفاً من المحاكمة، وتفادياً لانهيار الائتلاف الحكومي، يهرب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، نحو الحرب.. سحبت أمريكا وفدها، واستدعت إسرائيل فريقها، ليبدو السيناريو الأصعب والأخطر، في عجز الأطراف الراعية لاتفاق التهدئة، عن وقف نزيف الدم.

وفيما تعم حرب الإبادة الجماعية قطاع غزة الخارج عن الحياة، تحوم الشكوك في الأوساط السياسية حول عدم رغبة نتانياهو في إكمال الاتفاق، ورفض التوصل إلى هدنة ثانية، مفضلاً استمرار الحرب، ومضحياً كما يبدو بمن تبقى من محتجزين إسرائيليين، كما يقول مراقبون.

كل الحلول تبدو عاجزة عن تسوية سياسية توقف شلال الدم، وكل المؤشرات تدلل على خروج مباحثات التهدئة عن السيطرة، وتنذر بالوصول إلى حافة الهاوية، وتهدد بإشعال المنطقة من جديد، يعلق الكاتب والمحلل السياسي محمـد دراغمة، مبيناً أن تصريحات المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، صدمت حتى الوسطاء في الدوحة، إذ بدت وكأنها تنعى التفاوض.

ويوضح دراغمة، أن مبعث الصدمة هو أن الوسطاء المصريين والقطريين، وجدوا مرونة كبيرة في رد حركة حماس وانسجاماً مع اقتراحهم، واعتبروا أنه يمهد الطريق نحو التوصل إلى صفقة، بحسبانه حمل بعض الخلاصات من المباحثات التي جرت في الأيام الأخيرة، والتي حققت تقدماً مهماً في مختلف الملفات، لدرجة اعتقد الوسطاء بأن الصفقة أضحت على الأبواب، وكانوا متفائلين إلى حد كبير، قبل تصريحات ويتكوف، التي أحالت السؤال الدائر بينهم: هل هذا تكتيك تفاوضي بغرض الحصول على تنازلات اللحظة الأخيرة؟

وفي الدوحة، تبدو الخرائط نقطة الخلاف المركزية في المفاوضات غير المباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، بل إن الخلافات التي تعيق الاتفاق تنحصر في بضع مئات من الأمتار في كل موقع، لكن هذه المساحات تبدو من الأهمية بمكان، لكونها تقع في قلب الأحياء السكنية، كما هو الحال في رفح وخان يونس وحيي الشجاعية والتفاح في غزة، وفق دراغمة.

وفيما تصر حركة حماس على العودة إلى اتفاق 19 يناير الماضي، خشية تنفيذ مخططات جديدة في المناطق السكنية مثل مدينة التهجير، وهو ما يرفضه نتانياهو حتى الساعة، ثمة أسئلة تتطاير من بين ركام المنازل في غزة المنكوبة: ما هو مستقبل الصفقة؟.. وما الذي استجد فجأة على المفاوضات في الدوحة؟.. وألا يستوجب ما يجري في قطاع غزة منذ 22 شهراً، الانصياع إلى صوت الدبلوماسية، ومواصلة المسار التفاوضي، وصولاً إلى الحل الشامل، بعيداً عن الاتفاقيات الأشبه بمسكنات؟

انفراط عقد

في الأروقة السياسية، يرى كثير من المراقبين والمحللين، أن مخاوف نتانياهو من انفراط عقد ائتلافه، وإصرار أركان حكومته على أن الحرب لم تحقق أهدافها حتى وهي تقترب من عامها الثاني، ربما تفضي إلى فشل المساعي السياسية، ومواصلة الحرب، خصوصاً في ظل الرغبة الإسرائيلية والأمريكية في إنهاء قدرات حركة حماس، وعليه، فربما تعود الجهود السياسية، إلى حالة التجميد.

ويفسر الكاتب والمحلل السياسي، هاني المصري، التحول الأمريكي المفاجئ، بأنه استجابة لرغبة نتانياهو، وجاء بعد لقاء ويتكوف مع رئيس الوفد الإسرائيلي، رون دريمر، المعروف بقربه من نتانياهو، لكنه لم يستبعد أن يكون هذا الموقف جزءاً من تكتيك تفاوضي، بهدف انتزاع تنازلات إضافية في اللحظات الأخيرة التي تسبق الاتفاق.

بدوره، يرجح الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي، عماد أبو عواد، أن ثمة مقايضة إقليمية، اقتضت تعقيد ملف غزة، أو تأجيله، مضيفاً: «كانت الأجواء إيجابية، والصفقة قريبة، وفجأة صعدت واشنطن من لهجتها، ونسفت ما بثته بنفسها من تفاؤل بقرب الاتفاق.. ربما يكون ضغطاً تفاوضياً، أو تغييراً لتمرير أمر ما».