في تطور بالغ الخطورة، يُواجه قطاع غزة مشروعاً إسرائيلياً يوصف بأنه «إعادة إنتاج للنكبة» تحت لافتة إنسانية، يتمثل في إقامة ما يُعرف بـ«المدينة الإنسانية» أو «مدينة الخيام» على أنقاض مدينة رفح جنوبي القطاع، كمخطط يُنذر بتحوّل جذري في إدارة السكان الفلسطينيين عبر سياسات العزل والاحتجاز الجماعي.

الأمانة العامة لجامعة الدول العربية اعتبرت أن الخطة الإسرائيلية تهدف لحشر الفلسطينيين في مخيم صغير. وشددت - في بيان أصدرته أمس - على أن هذه الخطة التي يصفها الاحتلال بأنها «مدينة إنسانية» لا تمت للمدنية أو الإنسانية بأدنى صلة.

وأكدت الجامعة العربية أن الخطة - المرفوضة شكلاً وموضوعاً - «تعكس مستوى جديداً من الانحدار الأخلاقي والقيمي للاحتلال، وتكشف عن نية لمواصلة مخطط التطهير العرقي، وإعادة احتلال قطاع غزة وربما تهيئته لنشر المستوطنات».

وأكدت الأمانة العامة للجامعة أن المطلوب الآن التوصل في أسرع وقت لاتفاق لوقف إطلاق النار، وتوقف إسرائيل عن وضع العصي في العجلات والمماطلة واختراع العقبة تلو العقبة للتهرب من استحقاق وقف إطلاق النار.

حيث قتل القصف الإسرائيلي 93 فلسطينياً وجرح 278 في قطاع غزة خلال ألـ 24 ساعة الماضية، منهم 54 لقوا حتفهم نهار أمس، فيما يطالب الاتحاد الأوروبي إسرائيل بتحسين الوضع الإنساني في غزة التي تشهد بؤساً غير مسبوق، ومن تجلياته المؤلمة ما أعلنته وكالة «الأونروا» أمس، ويؤكد أن إسرائيل تقتل يومياً منذ 7 أكتوبر 2023، ما يعادل صفاً دراسياً كاملاً من الأطفال.

ويرى باحثون وحقوقيون، أن هذا مخطط «المدينة الإنسانية» لا ينفصل عن السياسات الاستعمارية الممنهجة التي تتبعها إسرائيل منذ عقود، بل يمثل امتداداً لمحاولات تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وفرض وقائع ديمغرافية وجغرافية جديدة تمهيداً لتسويات ما بعد الحرب.

وتحذر تقارير وبيانات حقوقية من أن ما يُسوّق على أنه «حلّ إنساني مؤقت»، ليس سوى واجهة لتهجير قسري ممنهج، يستخدم أدوات «الإغاثة» كغطاء لارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، وسط صمت دولي وتواطؤ إقليمي.

صف دراسي

مدير شؤون «الأونروا» بغزة سام روز يقول في بيان: «في كل يوم منذ بداية الحرب في غزة، يقتل في المتوسط ما يعادل صفاً دراسياً كاملاً من الأطفال».

وقبل اندلاع الإبادة التي حولت غالبية مدارس «الأونروا» إلى مراكز لإيواء النازحين، كان عدد طلاب الصف الدراسي يراوح بين 35-45، وفقاً لحالة الاكتظاظ في المدارس.

ويعيش أطفال غزة واقعاً مريراً جراء موجات النزوح المتكررة، فضلاً عن الجوع والعطش الناجمة عن السياسة الإسرائيلية في تدمير مصادر الغذاء والمياه، وإغلاق المعابر.

وفي 8 يوليو الجاري، قالت «الأونروا» إن «الأطفال بغزة يشكلون نصف عدد السكان (يبلغ عددهم 2.4 مليون نسمة)، وحياتهم موسومة بالحرب والدمار».

سوء تغذية

إلى ذلك، حذرت وكالة «أونروا» من تزايد معدلات سوء التغذية في غزة ومن القيود الصارمة على الحركة في الضفة الغربية المحتلة التي تشهد حرباً صامتة متصاعدة. وقالت جولييت توما مديرة الاتصالات في المنظمة إن معدلات سوء التغذية في القطاع تزداد سوءا منذ تشديد الحصار الإسرائيلي.

وأضافت الوكالة في إحاطة عبر الفيديو بجنيف أن طفلاً من كل عشرة أطفال ممن يخضعون للفحص في عيادات المنظمة الصحية ونقاطها الطبية في غزة يعاني من سوء التغذية الذي «كان نادراً ما يلاحظ في غزة قبل الحرب».

ولفتت إلى أن فرق المنظمة الصحية أجرت فحوصات لأكثر من 240 ألف طفل في عيادات الوكالة ونقاطها الطبية في جميع أنحاء غزة منذ يناير 2024 وحذرت من أن العدد المتزايد من الأطفال المحتاجين إلى علاج يهدد بإثقال كاهل النظام الصحي المدمر أصلاً، حيث لم يتبقَ سوى القليل جداً من الإمدادات العلاجية لعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية.

ونبهت توما إلى أن ما يقرب من 60% من الأدوية الأساسية لدى «الأونروا» نفدت إلا أن لدى الوكالة أكثر من ستة آلاف شاحنة محملة بالأغذية ومستلزمات النظافة والأدوية خارج غزة تنتظر الدخول.

وأكدت أن سكان غزة بحاجة إلى أكثر من مجرد طعام وأنهم بحاجة إلى الأمان قبل كل شيء «فلا مكان آمناً في غزة».

وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش وصف، فجر أمس، ما تشهده غزة حالياً «بالأمر المروع»، لوصوله لمستوى من الموت والدمار لا مثيل له في الآونة الأخيرة، محذراً من أن هذا الأمر يقوض أبسط شروط الكرامة الإنسانية لسكان غزة.