فيما وقف تعنت طرفي الحرب عائقاً أمام جهود الوساطة الإقليمية والدولية الرامية لتحقيق السلام وتخفيف وطأة الكارثة الإنسانية التي وصفتها الأمم المتحدة بالأسوأ، إذ فتكت الحرب بالملايين من المدنيين وتركت السودانيين يواجهون مصيراً يتقاذفه الجوع والمرض، وقبل ذلك الموت تحت نيران المتقاتلين. فمن يدفع ثمن هذه الاشتباكات الدامية هو المواطن السوداني، الذي يعيش مروعاً في بلده وخائفاً مما يحمله المستقبل.
حيث إنهم بدلاً من التوجه للسلام والقبول بالمبادرات قاموا بالتحشيد للحرب، فضلاً عن الانتهاكات الوحشية التي طاولت آلاف المدنيين في مناطق الصراع، وسط تزايد أعداد النزوح والمعاناة.
وتجاوزت تداعيات الحرب الأبعاد العسكرية المباشرة، لتشمل مستويات واسعة من النزوح والجوع، وانهيار البنى الصحية والإدارية، ما جعل السودان من أكثر بؤر الأزمات الإنسانية حدة في العالم.
كما أدى استمرار المعارك طوال العامين الماضيين إلى دخول البلاد في كارثة إنسانية، هي الأسوأ على مستوى العالم، بحسب تقارير وكالات الأمم المتحدة، إذ يحتاج ما يقارب الثلاثين مليون سوداني للمساعدات الإنسانية، وتهدد المجاعة الملايين، في ظل صعوبة إيصال المعونات الإغاثية للمتأثرين في المناطق التي تحاصرها الاشتباكات العنيفة.
تدمير البنى التحتية
كما دمر مصفاة الخرطوم لتكرير النفط، بعد أن أصبح ساحة للمعارك لشهور، تعطلت جميع مرافق الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها، كما أحدث تطاول الحرب انهياراً في قطاعات الإنتاج الصناعي والزراعي، الأمر الذي فاقم من معاناة السودانيين، ليس في مناطق الصراع فحسب، بل حتى في الولايات التي لم تصل إليها المعارك.
ويلات الحرب
حيث أعلنت المنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، كليمنتين نكويتا سلامي، في يناير من 2025، أن الأمم المتحدة تسعى لجمع 4.2 مليارات دولار لمعالجة الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً لنحو 21 مليون شخص من الأشخاص الأكثر ضعفاً في السودان، وذلك في إطار خطة الاستجابة الإنسانية التي أطلقتها لعام 2025.
بينما يحتاج أكثر من نصف السكان إلى مساعدات إنسانية عاجلة وخدمات الحماية، بما في ذلك 16 مليون طفل، ووصل انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى مستويات تاريخية، وخاصة في المناطق المتضررة من الصراع في دارفور وكردفان.
وأكدت أن ما يقدر بنحو 30.4 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة في عام 2025، بزيادة قدرها 5.6 ملايين شخص عن عام 2024، مدفوعاً بالصراع المدمر والنزوح الذي أعقبه وتفشي الأمراض والكوارث الطبيعية وتدمير سبل العيش.
وصنفت الأمم المتحدة السودان من بين الدول الأربع الأولى في العالم التي تعاني من أعلى معدل انتشار لسوء التغذية الحاد العالمي، بنحو 13.6 في المئة.
وفي أغسطس الماضي، أعلنت اليونيسيف أن أكثر من 640 ألف طفل دون سن الخامسة، معرضون للخطر بشمالي دارفور وحدها، نتيجة للعنف والمرض والجوع.
وأصبحت السودان من أخطر الحروب على عمال الإغاثة في العالم، حيث إنه، ومنذ بدء الصراع الحالي في أبريل 2023، قُتل أكثر من 120 عاملاً في المجال الإنساني - معظمهم سودانيون، وبحسب مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، أن ذلك ليس مجرد إحصاءات، بل كانوا مسعفين وسائقين ومتطوعين وغيرهم من الموظفين.
تفشي الأوبئة
كما تفشى وباء حمى الضنك في معظم ولايات السودان، خاصة ولاية الخرطوم وولاية الجزيرة، وأدى لوفاة المئات.
سلطتان وبلد يتمزق
واتخذ من نيالا بجنوب دارفور عاصمة إدارية لها، ما مثل نقطة فارقة في الصراع المسلح، وبات في حكم الواقع وجود حكومتين في السودان، تتنازعان الشرعية في بلد مزقته الحروب والصراعات.
حيث تستمد كلا السلطتين شرعيتهما من واقع الحرب ما يعمق حالة الانقسام الحاد التي تهدد، بحسب المراقبين، مستقبل السودان، لا سيما أن الحرب ألقت بظلالها السالبة على النسيج الاجتماعي، وأفرزت حالة من الاستقطاب الحاد.
على المستوى الدولي، طرحت الولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر مبادرة سياسية لحل الصراع السوداني، في إطار الجهود الدولية المتجددة لإنهاء حرب استمرت لأكثر من عامين ونصف العام وخلفت عشرات الآلاف من الضحايا وملايين النازحين.
