بين عام يطوي أيامه، وآخر يطل بثقله، بما قد يحمله من تطورات حاسمة على مستوى السلاح والمفاوضات ومآلات الحرب، لا يزال الداخل اللبناني يترنح بين العواصف الخارجية المجهولة التداعيات والارتدادات على كل المنطقة، وبين العواصف الداخلية، التي تهدد بانحداره نحو منزلقات وإرباكات سياسية وغير سياسية، والتي كان آخرها مسودة مشروع قانون «الفجوة المالية»، الذي عمق الفجوة بين المودعين من جهة والمصارف والدولة من جهة ثانية، مع أن الملف مطروح منذ ربيع العام 2020.
انتهاء المهلة
وفي خضم أجواء «العواصف» دخلت مهمة الجيش اللبناني في تنفيذ قرار حصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني، ضمن فترة تنتهي نهاية العام الحالي، أسبوعها الأخير،
و ينتظر أن يصدر عنه إعلان واضح عن إنجاز مهمته ضمن المهلة المحددة، وذلك وسط ترجيحات ضجت بها الساعات الأخيرة، ومفادها أن يصدر موقف موحد عن الرؤساء الثلاثة، جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام، حول الأمر نفسه، ربما في بيان مشترك أو إعلان، يؤكدون فيه الثوابت اللبنانية، ولا سيما لناحية وقف الهجمات والانسحاب الإسرائيلي، وإطلاق الأسرى، والالتزام الكلي باتفاق وقف الأعمال الحربية، والقرار 1701. كذلك لم تستبعد الترجيحات أن يصدر إعلان موازٍ من قبل «حزب الله» حول هذا الأمر،
أما في ما خص ما يمكن حصوله بعدما أكمل الجيش مهمته حتى آخر السنة، وبحسب تأكيد مصادر متابعة لـ«البيان»، فإن كل الأمور قابلة للبحث والنقاش.
يتأهب الجيش اللبناني للإعلان عن انتهاء المرحلة الأولى من إنجاز مهمته، والمتمثلة بسحب السلاح من جنوب الليطاني، حيث من المتوقع أن يصدر بيان رسمي، يؤكد أن المنطقة باتت خالية من السلاح، وأنها أصبحت بالكامل تحت سلطة الجيش المنتشر على امتدادها،
ويلي ذلك موقف رسمي للحكومة يعلن أن جنوب الليطاني بات تحت مظلة الشرعية اللبنانية وخالياً من السلاح، يكون لبنان قد أنجز خطوة متقدمة مطلوبة دولياً، تمهيداً لإعداد ورقة عمل يفترض أن يطالب فيها بـ«مقابل» من إسرائيل، بما يكرس سياسة «الخطوة مقابل خطوة»،
وذلك استباقاً للاجتماع المرتقب في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، وسط مخاوف من أن يمنح الأخير ضوءاً أخضر لتنفيذ ضربة على لبنان، لا يزال حجمها وحدودها غير معلومين،
وفي السياق نقلت صحيفة «هآرتس» عن تقديرات أمنية إسرائيلية أن أي عملية عسكرية واسعة في لبنان لن تنفذ قبل لقاء ترامب- نتانياهو في 29 من الشهر الجاري.
ورقة عمل
تزامناً ترددت معلومات، مفادها أن لبنان الرسمي يسعى إلى إعداد ورقة عمل، يحملها السفير الأمريكي ميشال عيسى إلى واشنطن، تقدم على أنها إنجاز نوعي في مسار سحب سلاح «حزب الله»، وعلى أساسها يطالب لبنان بوقف العدوان الإسرائيلي وبدء الانسحاب، قبل الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية؛ أي سحب السلاح من شمال الليطاني، وهي المرحلة الأصعب والأكثر تعقيداً،
أما «حزب الله» فيقف عند مفترق دقيق بين من يرى في الحرب خياراً لا مفر منه، ومن يعمل على تجنب كلفتها الباهظة، وحتى الآن، وبحسب مصادر مراقبة، تبدو الكفة راجحة لمصلحة الخيار الثاني. إجماع وعليه فإن ثمة إجماعاً على أن الثقل الحقيقي يكمن في الورقة التي يعتزم لبنان تقديمها، بوصفها توثيقاً لما أنجزته المرحلة الأولى من خطة الجيش لحصر السلاح،
وبهذا المعنى يضع لبنان أوراقه على الطاولة، قبل أن تحسم الخيارات في واشنطن. خطوة أولى أنجزت، ومرحلة ثانية قيد التفاوض، فيما الوقت يضغط والهوامش تضيق، وبين منطق القوة ومنطق التسويات يحاول لبنان تثبيت معادلة واحدة: الأمن لا يبنى بالضربات، بل بتوازن الخطوات والالتزامات المتبادلة.
