تبدو الفترة الفاصلة عن نهاية العام الجاري مثقلة بالمحطات المرتبطة بالمشهد اللبناني وتقلباته، وذلك بدءاً من اجتماع باريس الرباعي، الذي تناول سبل دعم الجيش اللبناني والإطلاع على جهوده لنزع سلاح حزب الله، مروراً باجتماع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار «الميكانيزم» المقرر انعقاده اليوم.

ووصولاً إلى انتهاء المهلة المحددة للجيش اللبناني فيما يخص قرار حصر السلاح بيد الدولة.. على أن تلي هذه المحطات محطة فرنسية عبر زيارة جديدة للموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى بيروت خلال الأسبوع الأول من يناير المقبل.

ويأتي هذا الحراك المتكامل الممتد من باريس إلى الناقورة، مروراً بحركة الموفدين والاتصالات الرئاسية في توقيت سياسي بالغ الدقة، مع ترقب قمة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في 29 من ديسمبر الجاري.

والبديهي في هذه الأجواء افتراض أن هذه المحطات جميعها ستضبط الواقع اللبناني على إيقاع ارتداداتها، سواء أكانت إيجابية أو سلبية أو مراوحة بين السلبية والإيجابية.

وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أن اجتماع باريس، الذي انعقد أمس تحت راية دونالد ترامب للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط.

وضم ممثلين عن فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، بحضور وزير الدفاع اللبناني، العماد رودولف هيكل، أتى ضمن مسار يعول عليه، وفق ما ورد في المعطيات المتداولة، لرسم خريطة طريق باتجاه عقد مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني مطلع عام 2026، بدعم أمريكي- فرنسي- سعودي، بهدف حشد التمويل وتوسيع شبكة الدعم الدولي.

إلى ذلك، يدخل لبنان اجتماع «الميكانيزم» المقرر اليوم، بقدر عالٍ من التحضير السياسي والدبلوماسي، فيما ينظر إليه على أنه أول اجتماع جدي يمكن أن يرسم الإطار الفعلي لمسار النقاشات المقبلة وطبيعتها.

وذلك بعدما اتسمت الجلسة السابقة بطابع تمهيدي أو تعارفي أكثر مما هو تفاوضي. وعليه، تكثفت الاستعدادات اللبنانية في الساعات الماضية، عبر رئيس الوفد اللبناني السفير السابق في واشنطن، سيمون كرم.

انطلاقاً من مقاربة مدروسة تقوم على إدارة تفاوضية هادئة ومتدرجة، بعيداً من منطق حرق المراحل أو وضع كامل الأوراق على الطاولة دفعة واحدة.

4 أهداف

وفيما اجتماع الرئيس اللبناني، جوزاف عون، بالسفير كرم عشية اجتماع «الميكانيزم» المطعمة مدنياً، كرس الإطار النهائي للموقف اللبناني، واضعاً سقوفه التفاوضية بوضوح.

حيث جرى التوافق على مقاربة تفاوضية تتيح للبنان هامشاً أوسع للمناورة، ترددت معلومات مفادها أن وفد لبنان سيدخل الاجتماع حاملاً 4 أهداف أساسية، مرتبة ضمن سلم أولويات واضح:

وقف الأعمال العدائية وعمليات القتل باعتبارها شرطاً إلزامياً لفتح أي نقاش جدي، ثم معالجة ملف الأسرى والعمل على إطلاق سراحهم، يليه انسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما وراء الخط الأزرق، تمهيداً لاستكمال ترسيم الحدود البرية..

وذلك في سياق الإطار العملي الوحيد القادر على تحقيق نتائج قابلة للتنفيذ، بعيداً من الأطروحات الشعاراتية أو غير الواقعية.

وفي موازاة ذلك، فإن ثمة كلاماً عن أن الجانب اللبناني يولي اهتماماً خاصاً لطبيعة الطرح الإسرائيلي المنتظر على طاولة الاجتماع، من حيث مضمونه وسقوفه السياسية والأمنية، إذ يعتبر أي تقدم مشروطاً بجدية هذا الطرح واستعداده لملاقاة المطالب اللبنانية، وخصوصاً في ما يتعلق بوقف الاعتداءات المتكرّرة، والتي كان آخرها أمس غارات على مناطق عدة جنوباً وبقاعاً.

تفاؤل أمريكي

وفي الانتظار، أفادت معطيات دبلوماسية بأن المناخ الأمريكي المحيط باجتماع «الميكانيزم» اليوم يتسم بإيجابية مشجعة، مع تأكيدات أن واشنطن ستدفع باتجاه حوار جدي ومثمر، بعيداً من المراوحة أو الاكتفاء بتبادل المواقف الشكلية.

وهو ما يعلق عليه الجانب اللبناني آمالاً لدفع المفاوضات نحو مسار عملي وفعال، وخصوصاً أن الوفد الحالي يتمتع بتفويض وصلاحيات كاملة تمكنه من إدارة النقاش باسم الدولة اللبنانية، ووفقاً للأطر الرسمية والمؤسسات الدستورية.

وعليه، ينتظر أن يحدد اجتماع «الميكانيزم» ملامح المرحلة التالية، وأن تتضح على أساسه اتجاهات الرياح الأمريكية:

هل تميل نحو كبح جماح نتانياهو وشهيته للحرب والتصعيد الأخطر والأقسى ضد لبنان، أم نحو التهدئة والتزام إسرائيل بما سيطرحه السفير كرم من مطالب، تبقى حتى الآن السقف النهائي لأي تفاوض مع إسرائيل، برعاية أمريكية وأممية؟