غداة التطور المتمثل بتطعيم لجنة «الميكانيزم» بمدنيين، وتعيين لبنان السفير السابق، سيمون كرم، رئيساً لفريقه فيها، واستباقاً لاجتماعها الجديد في 19 من الشهرالجاري، تعمدت إسرائيل استئناف التصعيد بموجة غارات جوية عنيفة على بعض المناطق جنوباً وبقاعاً، كأنها تريد من خلالها الإبلاغ إلى المعنيين أن التفاوض في شكله الجديد سيتم تحت النار، وأن انضمام السفير كرم إلى اللجنة لا يعني أن المفاوضات ستكون على البارد، بالإضافة إلى تأكيد الفصل بين مسار المفاوضات وبين مصير سلاح حزب الله. وقد جاء هذا التصعيد عشية استقبال لبنان أمس ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بعد زيارتهم عمّان ودمشق.
وبين الترددات التي غلبت عليها الإيجابيات لقرار لبنان تعيين السفير السابق، سيمون كرم، على رأس الوفد اللبناني المفاوض في لجنة «الميكانيزم»، وعودة إسرائيل إلى الغارات المبرمجة بإنذارات مسبقة على غرار ما فعلت قبيل أيام في الجنوب، لم تتبدل صورة التقديرات حيال الاحتمال الأكبر في أن يكون تطوير المستوى التفاوضي داخل «الميكانيزم» قد احتوى المخاوف الكبرى من عملية إسرائيلية واسعة. وعليه، بات مؤكداً المسار الذي تواصل إسرائيل انتهاجه، أي التفاوض بالنار، فيما لبنان يعول على المفاوضات ذات الطابع السياسي، بعد تعيين السفير كرم على رأس لجنة «الميكانيزم». وقد كان لافتاً ما صرح به المبعوث الأمريكي توم براك، الذي أبدى قلقاً بالغاً من خطر عودة الحرب في لبنان، داعياً إلى مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل. كما أكد براك أن نزع سلاح حزب الله لا يمكن أن يحصل بالقوة.
ومع أن تعمد إسرائيل العودة إلى أسلوب الغارات والإنذارات المسبقة بدا، بحسب قول مصادر متابعة لـ«البيان»، بمثابة رسالة واضحة إلى لبنان لعدم الاستكانة إلى التطور الدبلوماسي الذي حصل، وإبقاء ملف نزع سلاح حزب الله في واجهة الأولويات، أكد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، خلال استقباله أمس وفد مجلس الأمن الدولي، في حضور الموفدة الأمريكية مورغان أورتاغوس، التزام لبنان بتطبيق القرارات الدولية، ودعا إلى دعم الجيش اللبناني في استكمال مهامه، موضحاً أن لبنان يحتاج إلى دفع الجانب الإسرائيلي لتطبيق وقف النار والانسحاب. كما أكد عون للوفد الدولي أن ما يقوم به لبنان على صعيد التفاوض ضمن لجنة الميكانزيم ليس لإرضاء المجتمع الدولي، بل لأنه لمصلحة لبنان.
مضمون تقرير
إلى ذلك، اتجهت الأنظار إلى معرفة مضمون التقرير الثالث الذي قدمه قائد الجيش العماد رودولف هيكل، إلى مجلس الوزراء، حول النتائج والحصيلة الإجمالية التي حققها الجيش في تنفيذ المرحلة الأولى من حصر السلاح في منطقة جنوبي الليطاني. وقد اتخذ هذا التقرير أهمية مضاعفة في ظل معطيات وزارية تحدثت عن ترجيح انتهاء الجيش من هذه المرحلة قبل نهاية العام الجاري، بما يوجب الانتقال إلى المرحلة التالية في شمالي الليطاني، مع ما يعنيه الأمر، وفق إجماع مصادر معنية لـ«البيان»، من تشكيل دفع إضافي للتطور الذي سُجل على مستوى «الميكانيزم»، بما يعزز التنسيق المتجدد بين لبنان والإدارة الأمريكية، أقله كما يتطلع إليه الحكم اللبناني.
وفي خلاصة المشهد، فإن ثمة إجماعاً على أن الأجندة العسكرية لإسرائيل يبدو أنها منفصلة عن الأجندة الدبلوماسية والتفاوض، ذلك أن خطوة بدء التفاوض تعني بداية مسار، لكن التفاوض مع إسرائيل ليس نزهة على الإطلاق، بل مسار مزروع بالألغام والتعقيدات، والسجل حافل في هذا السياق.. أما في نهاية المطاف، فإن هناك هدفاً، يتحقق إما بالحرب وإما بالمفاوضات.