غداة القرار الاستثنائي الذي اتخذه الرئيس اللبناني، العماد جوزاف عون، بالتشاور مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، وبالتنسيق حياله مع واشنطن، والذي قضى بتعيين السفير السابق، سيمون كرم، رئيساً دبلوماسياً مدنياً للوفد اللبناني إلى اجتماعات «لجنة الميكانيزم»، أجمعت مصادر دبلوماسية عبر «البيان»، على أن لبنان خطا بقوة عبر هذا القرار المفاجئ، في اتجاه محاولة متقدمة جداً لاحتواء، أو تطويق أو منع، تفجر سيل التهديدات الإسرائيلية بحرب واسعة على حزب الله ولبنان.

وبالدبلوماسية الناعمة، وسعياً وراء تفادي حرب إسرائيلية جديدة، أكثر الإسرائيليون من التهديد بها، خطا لبنان خطوته الثالثة وسط حقل الألغام الإسرائيلي.

وبتوقيع ثلاثي الأبعاد، أتى تعيين السفير الأسبق في واشنطن، سيمون كرم، لقيادة التفاوض بعد استحصال الجانب الأمريكي على موافقة الطرف الإسرائيلي بضم عضو غير عسكري إلى وفده المشارك في اللجنة، إذ سحبت تل أبيب دبلوماسياً تخرج من الجيش وعينته في صفوف الاحتياط التفاوضية، وهو يعتبر أحد مهندسي سياستها الخارجية والأمنية.. أما المواجهة الأولى، فكانت في الاجتماع الـ14 للجنة «الميكانيزم» أول من أمس، فيما الاختبار الطارئ لا يزال في بداية رحلته، بما يوجب البقاء على درجة عالية من الحذر، بدليل أن إسرائيل لم تتأخر في إطلاق اجتهاداتها وتفسيراتها الخاصة لتوسيع مستوى المفاوضين في لجنة «الميكانيزم» بإضافة موفدين مدنيين صارا رئيسي الوفدين الأمنيين اللبناني والإسرائيلي.

في المقابل، فإن لبنان لديه مطالبه أيضاً والتي أبلغها للأمريكيين، حول ضرورة وقف الضربات الإسرائيلية، ووضع جدول زمني للانسحاب من النقاط التي تسيطر عليها إسرائيل في الجنوب، بما أن الموقف اللبناني كان واضحاً لجهة تعيين مدني لتمثيله في المفاوضات.

وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أن الخطوة لم تكن مفاجئة بالشكل، وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها تطعيم الوفود بأسماء من أصحاب الاختصاص.

أما في المضمون، فشكلت الخطوة، وفق قول مصادر متابعة لـ«البيان»، امتداداً للمسار الذي سلكه لبنان بالتزامه باتفاق وقف اتفاق النار، منذ 27 نوفمبر من العام الماضي، وبمبادرة الاستقلال الرئاسية، وذلك نزعاً لفتيل الرسائل النارية التي تلقاها لبنان بتصعيد إسرائيلي، يتجاوز «الستاتيكو» الأمني القائم، إلى توسيع بيكار الاعتداءات وتهديد الدولة.

سير على الجمر

وإذ تقدم لبنان خطوة إلى الأمام، عبر قرار رفع مستوى التمثيل وإعطائه طابعاً دبلوماسياً للتفاوض مع إسرائيل، من ضمن لجنة «الميكانيزم»، فتم تعيين مدني لبناني فيها، إلا أن هذه الخطوة، وبحسب تأكيد مصادر متابعة لـ«البيان»، يشوبها حذر كبير حول المزيد من المطالب الإسرائيلية، خصوصاً أن إسرائيل اعتادت مع رئيس وزرائها، بنيامين نتانياهو، أن تكثر من دفتر شروطها كلما حصلت على تنازل جديد أو ورقة جديدة تحتفظ بها في الجيب، لتبرز مطالب أخرى.

ولذا، ووفق المصادر نفسها، يسجل انتقال «الميكانيزم» من الإطار العسكري الصرف إلى إطار مدني، وهو ما يتماشى مع خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإرساء اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط، في حين سيكون لبنان مضطراً لـ«السير على الجمر» في هذا المسار التفاوضي، ولا بد له من ترقب المزيد من الشروط والمطالب الإسرائيلية.

مرحلة جديدة

وهكذا، فعلها لبنان وذهب إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل، وذلك ضمن إطار «الميكانيزم»، برئيس مدني لوفده، هو السفير سيمون كرم، المعروف باستقلاليته ومواقفه الثابتة، والذي سيفاوض مبعوث تل أبيب، يوري رزنيك، المعروف بحنكته في الصياغات التفاوضية.

وهكذا أيضاً، دخل لبنان مرحلة جديدة، قد تستغرق شهوراً أو سنوات، وهو حقق إنجازين حتى الآن، إذ أعطى الأمريكيين السلاح الذين يحتاجونه لتجميد تهديدات نتانياهو بالحروب المدمرة، اعتباراً من نهاية ديسمبر الجاري، ومهد الطريق للبحث في المرحلة التالية من خطة الجيش لحصر سلاح حزب الله خارج جنوب الليطاني، وهذا هو ما ستضغط في اتجاهه واشنطن منطقياً.