وسط الغيوم الكثيفة، التي تغطي أجواء منطقة الشرق الأوسط برمتها، وتحجب ما يحضر لها في الخفاء على موائد الدول الكبرى من مفاجآت تشرع ساحاتها لاحتمالات خطيرة ومتغيرات دراماتيكية، وربما إعادة ترسيم حدود دولها، يبدو المشهد اللبناني في ذروة التنقل من اشتباك إلى آخر.

ومحطات الاشتباك بين المكونات اللبنانية لا تحصى، منها ما هو دائم، كما هو الحال حول حرب الإسناد، وما هو معلق حتى إشعار آخر، وقابل لإعادة الإشعال عندما تدعو الحاجة لذلك.

وهذا ينسحب على الاشتباك العنيف حول قراري الحكومة بسحب سلاح حزب الله، والموافقة على ورقة المبعوث الأمريكي، توم باراك، وكذلك على أزمة صخرة الروشة بين رئيس الحكومة وحزب الله، التي لم تنتهِ فصولها حتى الآن.

أما آخر محطات الاشتباك المفتعل بين المكونات الداخلية، فكانت على حلبة الملف الانتخابي، مع تحول الجلسة التشريعية لمجلس النواب، يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، إلى حفلة مزايدات حول القانون الانتخابي، وتراشق الاتهامات بتطيير الانتخابات النيابية، التي يفترض أن تجري خلال الـ60 يوماً السابقة لانتهاء ولاية المجلس الحالي في 31 مايو المقبل.

ذلك أن ما جرى في مجلس النواب خلال جلسة التشريع، بعد فقدان النِصاب، وتعذر انعقاد الجلسة لعدم اكتمال النِصاب، قدم صورة مصغرة تمهيدية للمعركة السياسية القاسية الواقعة حتماً على حلبة الملف الانتخابي.

وكانت واضحة للعيان الحملة المنظمة شكلاً ومضموناً، من قبل جهات نيابية قواتية وكتائبية وسيادية وتغييرية، لفرض تعديل القانون الانتخابي النافذ، بما يمنح المغتربين حق الانتخاب لكل أعضاء المجلس النيابي الـ128، وليس حصر هذا الحق بالنواب الـ6 على مستوى القارات الـ6، علماً بأن وزارتي الداخلية والخارجية خطتا أولى الخطوات في اتجاه اقتراع المغتربين، مع تحديدهما 2 أكتوبر تاريخ البدء بتسجيل اللبنانيين غير المقيمين على الأراضي اللبنانية، للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، على أن تنتهي المهلة في 20 نوفمبر المقبل.

وفي موازاة الأصوات النيابية، التي ارتفعت من جهات سياسية مختلفة لتأكيد حق المغتربين بالتصويت لكل أعضاء المجلس النيابي، وتلقي باللائمة على رئاسة المجلس النيابي تحديداً في قطع الطريق على إرادة الشريحة الواسعة من النواب، التي تنتصر لهذا الحق، أكدت مصادر مسؤولة لـ«البيان» أن الساحة البرلمانية مقبلة على اشتباك كبير، من الصعب التكهن بمجرياته مسبقاً، أو بالاحتمالات التي ستترتب عليه، ومن ضمنها احتمال أن يؤدي هذا الاشتباك إلى خلق ظروف تفرض تأجيل الانتخابات، وبالتالي التمديد للمجلس النيابي الحالي لعام أو عامين.

ومع أن انفجار الخلاف الانتخابي الناجم عن انقسام واسع مزمن ومكشوف حول تصويت المغتربين كان تطوراً حتمياً منتظراً في الجلسة التشريعية، التي عقدت خالية من أي بند يتصل بهذا الخلاف، فإن الحدة التي طبعت هذا الانفجار، وأدت إلى إطاحة نِصاب الجلسة مرتين، لم تكن، بحسب قول مصادر نيابية لـ«البيان».

معزولة عن الأجواء الشديدة التوتر، التي تسود البلاد منذ واقعة صخرة الروشة في 25 من الجاري، بل جاءت لترسم مزيداً من الشكوك، فضلاً عن إثارة جدية لمصير الانتخابات النيابية، ما لم يتم التوصل إلى تسوية بين الكتل النيابية والقوى السياسية، تُخرج الخلاف الحاد على تصويت المغتربين من الأزمة، التي يتخبط فيها، على رغم تأكيدات وزارة الداخلية بأن الانتخابات ستجرى في موعدها.

أما إذا استمر الخلاف متحكماً بالمجلس، على خلفية مناقشة قانون الانتخاب، فهذا يعني أن لا جلسات مقبلة للمجلس ولا تشريع، وأن البلاد دخلت في أتون سجال انتخابي مفتوح على كل الاحتمالات، ولو أن عنوانه واحد:

الجميع يتمنى تأجيل الانتخابات، لكن لا أحد يجرؤ على تبني هذا الاقتراح علناً، أو أن الوقت لا يزال مبكراً لذلك، وعليه فإن ثمة كلاماً عن أن معركة اقتراع المغتربين، أي ما اصطلح على تسميتها عقدة الاغتراب، باتت في عنق الزجاجة، بين تطيير نصاب الجلسة وتأمين نصاب هزيل، خصوصاً أن الهمس يرتفع في أروقة مجلس النواب في شأن المعادلة الآتية: حصرية السلاح قبل الانتخابات النيابية، أم الانتخابات النيابية قبل الانتهاء من حصرية السلاح؟