القاهرة- وفاء عيد ومحمد أبوزيد ومصطفى فرج

في ظل المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل، لم يعد الصراع مقتصراً على الضربات العسكرية المتبادلة، بل تجاوز ذلك إلى جبهة موازية أشد تعقيداً، تتمثل في الحرب النفسية، التي باتت تشكل أحد الأعمدة الأساسية في إدارة هذا النزاع المتفجر.

ومع اشتداد الضغوط وتداخل الأبعاد الإقليمية والدولية، تتسع رقعة المواجهة لتشمل الإعلام والفضاء السيبراني، حيث تُخاض معارك لا تُقاس بالخسائر المادية بقدر ما تستهدف الروح المعنوية والجبهة الداخلية للخصم.

هذا التحول في أساليب إدارة الحرب يعكس إدراكاً استراتيجياً من الطرفين لأهمية التأثير النفسي كأداة ردع وإرباك متبادل. ومن خلال الرسائل الإعلامية والتهديدات المبطنة، تسعى كل من إسرائيل وإيران إلى خلخلة الثقة داخل بنية الدولة الأخرى، مستفيدة من أدوات متعددة تشمل بث مقاطع مصورة.

وتوجيه تهديدات مباشرة، وصولاً إلى الهجمات السيبرانية على البنى التحتية الحيوية. وهي أدوات تُستخدم ليس فقط لتسجيل النقاط، بل لفرض معادلات سياسية جديدة على الأرض.

ومع دخول الولايات المتحدة على الخط بوضوح أكبر، تتعزز هذه الحرب النفسية بدعم سياسي وعسكري مكشوف، يتجاوز مجرد الدعم الدبلوماسي لإسرائيل إلى الانخراط في خطاب التهديد المباشر لإيران.

في هذا السياق، تبرز تساؤلات ملحّة حول ما إذا كنا أمام مقدمة لتوسّع المواجهة، أم أن الرسائل المرسلة – مهما علت نبرتها – ما زالت جزءاً من معركة السيطرة على الرواية وكسر الإرادة دون الولوج إلى حرب شاملة.

حرب نفسية

خبير العلاقات الدولية، محمد الخفاجي يقول لـ «البيان»: «إن المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل تصاحبها حرب نفسية مكثفة، تستخدم فيها كلا الدولتين الإعلام والفضاء السيبراني كأدوات أساسية.

فقد نشرت إسرائيل فيديوهات دقيقة لاستهداف مواقع استراتيجية للحرس الثوري؛ بهدف زعزعة الروح المعنوية، في المقابل بثت إيران مشاهد لصواريخ مسيرة تُحلّق فوق مدن إسرائيلية مثل تل أبيب، ووجهت تهديدات مباشرة للإسرائيليين».

كذلك في الجانب السيبراني تم تسجيل مئات الهجمات الإلكترونية المتبادلة خلال الأيام الماضية. كما استهدف كلا الطرفين مؤسسات حيوية، وأدى بعضها إلى تعطيل مواقع إعلامية ومستشفيات، ما يزيد من الضغط النفسي على المدنيين والجهات الأمنية.

هذا التصعيد النفسي الإعلامي والسيبراني يعزز من حالة التوتر والقلق في الداخلين الإيراني والإسرائيلي، ويجعل من الحرب النفسية عاملاً موازناً ومؤثراً في توجهات الصراع.

تندرج التصريحات الأمريكية الأخيرة، لا سيما تلك الصادرة عن مسؤولين في إدارة ترامب، ضمن إطار الحرب النفسية المتصاعدة ضد إيران، إذ لم تقتصر على التحذير من مواصلة البرنامج النووي، بل تجاوزت ذلك إلى الدخول في الحرب وقصف 3 منشأت نووية والتشديد على أن «كل السيناريوهات مطروحة»، بما في ذلك استهداف القيادة الإيرانية.

كما أن الدعوات الصريحة من قبل الرئيس ترامب لإيران بـ«الاستسلام غير المشروط» تحمل في طياتها رسائل تهديد مبطنة، ترمي إلى محاولة تقويض الثقة داخل النظام الإيراني والتشكيك في قدرته على الصمود، وهو ما يعكس استراتيجية ممنهجة تستهدف إنهاك طهران نفسياً قبل أن تكون مواجهة ميدانية مباشرة.

ومع تصاعد الصراع بأبعاده المختلفة، ثمة رهانات محدودة على الجهود الدولية للتهدئة وإعادة المفاوضات. فيما يقول الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، محمد عبادي لـ «البيان»:

«إن الحديث عن الجهود الدولية في الملف الإيراني يستوجب الإشارة إلى أن غالبية المجتمع الدولي يقف إلى جانب إسرائيل، بينما تربط دول مثل روسيا والصين علاقات استراتيجية مع إيران، إلا أن هذه الجهود لا ترقى حتى الآن إلى مستوى كافٍ لوقف التصعيد أو التوصل إلى تهدئة حقيقية».

ويشير عبادي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت منخرطة بشكل علني في دعم الموقف الإسرائيلي، فبعد أن كانت تدعم بطريقة غير مباشرة في البداية، أصبحت اليوم تؤيد بشكل واضح استكمال إسرائيل لمهمتها العسكرية، بعد دخولها في المواجهة مع ايران.

لا سيما بعد قصف وتدمير المنشآت النووية الإيرانية وعلى رأسها منشأة «فوردو» المحصّنة داخل الجبل. وأضاف أن واشنطن قد تستخدم قوتها الجوية الاستراتيجية لتوفير الغطاء اللازم لإتمام هذه المهمة.

جهود الوساطة

في موازاة التصعيد الميداني، تتكثف رسائل الحرب النفسية التي تبثها بعض الأوساط الإسرائيلية والأمريكية، عبر تسريبات وتلميحات تتحدث عن إسقاط النظام الإيراني واحتمالات استهداف القيادة، هذه اللغة، وإن لم تُعلن رسمياً، تُستخدم كأداة ضغط متعمدة لزعزعة الجبهة الداخلية الإيرانية، وخلق بيئة من القلق والارتباك السياسي، بما يعكس تحوّلاً في طبيعة المواجهة نحو أدوات غير تقليدية تسبق أي تصعيد عسكري شامل.

من جانبه، يلفت الباحث في الشؤون الإيرانية، علي عاطف لدى حديثه مع «البيان» إلى أن الجهود الروسية والصينية والعربية أيضاً قد تنجح لاحقاً في الوساطة، إما بين إسرائيل وإيران أو بين الأخيرة والولايات المتحدة وإسرائيل معاً، من أجل إنهاء الحرب وتسوية الأزمة النووية الإيرانية بشكل كامل والعودة ربما إلى طاولة المفاوضات.

ومع ذلك، لا يمكن القول إن هذا الأمر مطروح بقوة؛ ذلك لأن مسار الحديث في الأوساط الإعلامية الإسرائيلية والأمريكية وبعض الأوساط الأوروبية باتت تتحدث عن مسألة إسقاط النظام في إيران.

وهو ما يعني بالتالي أن إسرائيل والولايات المتحدة لن تقبل بالعودة للمسار الدبلوماسي. كما أن إسرائيل والرئيس الأمريكي ترامب باتوا يتحدثون الآن عن قضية أخرى، وهي احتمالية تغيير النظام الإيراني، ما يعني أننا بصدد موقف أمني وعسكري متصاعد للغاية.