تتعدد الدراسات والآراء حول التوتر وطرق التخلص منه، لكنها معظمها لا تنجح، إذ يُطلب منا غالباً أن نركز على دواخلنا وأن نمارس الرعاية الذاتية، ونأخذ حمامات دافئة، ونتأمل في غرف هادئة، أو نخضع لجلسات تدليك، ورغم أن هذه الأنشطة ليست ضارة، إلا أنها لا تكفي.

دراسة أمريكية شارك فيها أكثر من 750 شخصاً على مدار عام تقريباً، وجدت أن 58% من الناس يزداد توترهم عندما يحاولون السيطرة على توترهم.

لكن ما لفت الانتباه حقاً هو أن الباحثين حين حللوا أكثر من 90 برنامجاً للصحة النفسية في أماكن العمل، وجدوا أن معظمها فشل في تحسين رفاه الموظفين، والاستثناء الوحيد كان البرامج التي شجعت الموظفين على القيام بأعمال خيرية أو تطوعية، وقد أثبتت فعاليتها.

خلصت الدراسة إلى أن أكثر الطرق الناجحة للتعامل مع التوتر ليست محاولة "معالجته" عبر التخلص منه أو الهروب منه، بل توجيه طاقته نحو الآخرين.

عندما نشعر بالتوتر، يفرز جسمنا مزيجاً من الهرمونات، غالباً ما نركز على الكورتيزول والأدرينالين، لكن هناك لاعب رئيسي آخر: الأوكسيتوسين، المعروف بهرمون "العناق"، ولهذا الهورمون دور محدد؛ تحفيز التواصل مع الآخرين وطلب الدعم.

ما يعنيه ذلك هو أن التوتر مصمم ليكون تجربة اجتماعية، لا معركة فردية، لذلك ليس من المستغرب أن محاولاتنا لحل توترنا بمفردنا غالباً ما تتركنا في حال أسوأ عند الفشل، فمعظم تاريخ البشر كان يقوم على مواجهة التحديات كمجموعات، لا كأفراد.

ليس المطلوب أن تتجاهل احتياجاتك، بل أن تجرب ما سمّته الدراسة "الارتداد بالتوتر"، أي استخدام طاقته كوقود لأعمال ذات معنى تفيد الآخرين.

تطبيق عملي

إذا شعرت بالإرهاق في العمل، لا تنسحب، بل ابحث عن زميل يواجه صعوبة واعرض عليه مساعدة ملموسة؛ كأن تحضر اجتماعاً بدلاً منه إذا كان لديه طفل مريض، أو ببساطة تسأله: "ما أكبر تحدٍ تواجهه اليوم؟" ثم تبدأ بتقديم حلول.

تطوع في مشروع يتجنبه الجميع، أو ساعد في تدريب موظف جديد يتجاهله الآخرون، ولا تنس أن المفتاح هو أن تتصرف وأنت مازلت تشعر بطاقة التوتر، لا بعد أن "تهدأ".

إذا كنت تعاني من توتر شخصي، فبدلاً من مجرد الفضفضة للأصدقاء، اسأل كيف يمكنك دعمهم، أو اطبخ العشاء لشخص يمر بمرحلة اجتماعية حرجة، أو ساعد جاراً في أعمال الحديقة، أو نظم نشاطاً جماعياً يفيد الجميع.

كثيراً ما يتقارب الناس المتوترون حين يساعدون بعضهم.

وأخيراً، في إطار الأسرة، عندما تثير الديناميات المألوفة ضغوطاً، ركز على ما يمكنك المساهمة به من حلول بدلاً من الاكتفاء بإدارة ردود فعلك.

هذا ليس مجرد كلام لطيف؛ فصور الدماغ تُظهر أن مساعدة الآخرين تُنشط مراكز المكافأة وتُقلل النشاط في المناطق المرتبطة بالتوتر، وعندما نركز على خدمة مجتمعنا، فإننا نعيد برمجة أدمغتنا للتعامل مع التوتر بشكل أكثر فعالية.

أهداف

هذا النهج له فوائد مهنية فالقادة الذين يوجهون توترهم لدعم فرقهم يحققون أداءً أفضل عبر جميع المستويات. كما أن الموظفين الذين يساعدون زملاءهم خلال فترات الضغط المرتفع أكثر عرضة للشعور بالرضا الوظيفي والمشاركة الإيجابية.

بدلاً من محاربة استجابتك للتوتر، تعلم كيف تستخدمها كميزة تنافسية.. واسأل نفسك: "كيف يمكنني استخدام هذه الطاقة لمساعدة شخص آخر؟"، ستتفاجأ حين تكتشف أن أفضل "علاج" لتوترك هو في الواقع أن تبلسم جراح للآخرين.