على خشبة المسرح، حيث تتجسد حكايات الإنسانية على مر العصور، يواجه الإرث الفني العالمي تحدياً يفرض نفسه بقوة على الساحة العربية عموماً، ويتبلور في سؤال جوهري:

«كيف يمكن لنصوص كلاسيكية عريقة أسيرة سياقات تاريخية واجتماعية قديمة، أن تتنفس هواء المتغيرات الراهنة؟»، ما يفتح الباب أمام نقاش فني عميق، يتجاوز حدود خشبة العرض، ليلامس جوهر الملاءمة الثقافية والتواصل مع الجمهور.

ومما لا شك فيه، أن هذا الحراك الفكري يجد صداه في المشهد المسرحي الإماراتي، على وجه الخصوص، النابض بالعديد من العروض الفنية التي تعزز مكانة الدولة الإبداعية والثقافية في المنطقة.

حيث التجارب المنفتحة على سائر الثقافات العالمية، التي يسعى مبدعوها إلى المواءمة بين الحفاظ على جوهر النص الأصلي، وإضفاء اللمسة التي تحقق البعد المحلي الأصيل.

وأوضح الفنان المسرحي إبراهيم سالم، في تصريح لـ «البيان»، أن التحدي الأكبر الذي يواجه الأعمال الفنية المرتبطة بالمسرحيات العالمية، يكمن في أن تلك المسرحيات الكلاسيكية والتاريخية والاجتماعية متعلقة بقضايا موضوعية قديمة، مؤكداً أن المتغيرات المشهودة حالياً، في مختلف المجالات، تجعل تناول تلك الأعمال صعباً بعض الشيء، الأمر الذي يفرض نفسه كإشكالية عامة في العالم العربي كله.

ولفت إلى الجهود المبذولة في المسرح الإماراتي بهذا الخصوص، كما هو حاصل، على سبيل المثال، في مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة المعتمد كلياً على المسرحيات العالمية، واختزالها وتقديم وجهة نظرة معينة من خلالها، منوهاً بالدعم الذي يقدّمه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في هذا السياق.

وعن مدى إقبال الجمهور في الإمارات على العروض المسرحية العالمية، شدد سالم على أن الجمهور غير محاسَب عمَّا يجري تقديمه من عروض، وإنما الحساب يكون للعاملين في هذا المجال.

مؤكداً أن الجمهور متعطش إلى العمل الصادق، سواء أكان عالمياً أم عربياً ومحلياً، ومن ثم ليس من المقبول اتهام الجمهور بأنه المسؤول عن بعض الأعمال المسرحية المقدمة قليلة الجودة، كالعروض الكوميدية التي تتدنى إلى الإسفاف أحياناً.

تفاعل ملموس

من جانبه، أكد الفنان المسرحي غانم ناصر أن المسرح الإماراتي أصبح أكثر انفتاحاً على التجارب العالمية، سواء من خلال اقتباس نصوص كلاسيكية، أو تقديم عروض مستوحاة من مدارس عالمية معاصرة.

مشيراً إلى أن هذا التفاعل الواضح الملموس، أسهم في إثراء المشهد المسرحي المحلي، وخلق حالة من الحوار الثقافي بين الفنان الإماراتي والموروث المسرحي العالمي، ما يعزز مكانة الإمارات، بوصفها محطة فنية مهمة في المنطقة.

ورأى أن الإقبال على المسرحيات العالمية أكثر من رائع، خاصة مع تنوع الموضوعات والأساليب التي تطرحها تلك العروض، لافتاً إلى أن الجمهور الإماراتي اليوم أكثر انفتاحاً على التجارب غير التقليدية، ويبحث عن محتوى فني متجدد ومختلف، مثل مسرحية «البؤساء» ومسرحية «زورو»، اللتين تُعرضان في أبوظبي.

وفي ما يخص التحديات التي تواجه إحياء عمل عالمي كلاسيكي على خشبة المسرح، قال ناصر: «برأيي أن من أبرزها الترجمة والتكييف، فالمسرحيات الكلاسيكية غالباً ما تحمل روحاً ولغة تختلف عن بيئتنا وثقافتنا، لذلك يتطلب الأمر جهداً فنياً وفكرياً كبيراً للحفاظ على جوهر النص الأصلي، مع تقديمه بروح قريبة من الجمهور المحلي»، مضيفاً أن ثمة تحديات تتعلق كذلك بحجم الإنتاج، من ديكور وإضاءة وأداء يتناسب مع قيمة العمل العالمي.