لا يُعد المسرح المدرسي في الإمارات مجرّد نشاط يُقدَّم في نهاية العام الدراسي، بل إنه تحوّل إلى منبر تربوي وثقافي متكامل يسهم في بناء شخصية الطالب، وتكوين وعيه الوطني، والثقافي.
فبين خشبة العروض المدرسية، ومهرجانات الدراما الطلابية، تتكوّن ملامح الثقة بالنفس، وتنمو بذور الانتماء، ويتعلم الطلاب التعبير عن ذواتهم ومجتمعهم بلغة الفن.
«البيان» تسلّط الضوء على دور المسرح المدرسي في تنمية شخصية الطالب، وتعزيز هويته الثقافية والوطنية من خلال تجارب ميدانية، عبر استعراض آراء مختصين في الإخراج والدراما والتعليم.
بوابة النجومية
يقول المخرج وعضو لجنة التحكيم لإحدى دورات مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي، إبراهيم القحومي، إن بدايته كانت مع أول دورة للمهرجان عام 2008 بمهرجان الفجيرة للمسرح المدرسي، ويصفه بأنه من أهم المهرجانات وأصعبها، قائلاً:
المسرح المدرسي هو البوابة الأولى للنجومية، تعلمنا فيه الشغف، وشاهدنا تطوراً لافتاً في الأداء. من الجميل أن ترى طالباً في الإعدادية يُجسّد نصاً عالمياً بثقة واقتدار، بفضل وجود أساتذة وخبراء متخصصين.
ويضيف: المسرح المدرسي يبني شخصية الطالب، ويمنحه فرصة للتعبير عن حبّه لوطنه، خصوصاً أن كثيراً من العروض تتمحور حول القضايا الوطنية. التحضير المكثف قبل المهرجانات يمنح الطالب أدوات تعبير قوية، تظهر في سلوكه داخل المجتمع.
تنوع
من جهته، يوضح محمد السيد أحمد، خبير المسرح المدرسي، أن المسرح ليس مجرد منصة للأداء، بل وسيلة تربوية ذات أبعاد معرفية ونفسية. ويقول: المسرح المدرسي يشمل أنماطاً متعددة، منها: مسرح العرائس، مسرح رياض الأطفال، المسرح اللغوي.
ولكل مرحلة عمرية ما يناسبها. فالطالب يتعلّم من خلال اللعب والتجسيد، ويتفاعل مع الحكايات التعليمية والتربوية بصرياً وسمعياً.
ويؤكد ضرورة أن يكون المسرح جزءاً من الحياة المدرسية اليومية. إذ يقول: ليس مجرد عرض في نهاية السنة، بل هو نشاط مستمر في طابور الصباح، والفصول، وحتى في ساحة المدرسة. المعلومة التي يقدّمها الطالب على المسرح تُرسّخ في ذهنه أكثر من أي درس نظري.
ويشدد على دور معلم الدراما بوصفه موجّهاً ومبتكراً، قائلاً: المعلم المؤهل يُقدّم المسرح كأداة للتعلم والتفكير النقدي، ويُكسب الطلاب مهارات الإلقاء، واللغة، والعمل الجماعي، واستخدام لغة الجسد بطريقة تربوية.
مهارات اجتماعية
أما وسام أسامة، المخرجة ومعلمة الدراما في وزارة التربية والتعليم، فتُعرّف المسرح المدرسي بأنه أداة فعالة لبناء الثقة، وصقل الشخصية، وتعزيز مهارات التحدث، والتعبير عن المشاعر بجرأة أمام الجمهور.
ومن خلال مشاركتها في المهرجان الإماراتي للمسرح المدرسي لثلاث سنوات متتالية، توضح أن الطلاب الذين شاركوا اكتسبوا مهارات اجتماعية مثل احترام الأدوار، تقبل النقد، والقدرة على العمل الجماعي.
وتضيف: أثناء العروض، لاحظت أن الطالب يكسر حاجز الخجل، ويتغلّب على القلق الاجتماعي، مما ينعكس إيجاباً على تحصيله الدراسي وسلوكه في البيئة المدرسية.
وتستطرد: قدّمت مع طلابي عروضاً مستوحاة من التراث والعادات الإماراتية، تناولت قضايا مثل دور المرأة، مفهوم الاستدامة، والتسامح، ما عزّز فخر الطالب بهويته، وساعده على فهم الرموز الثقافية في بيئة محفّزة.
وتختتم بقولها: أوصي بدمج المسرح في المناهج الدراسية، وإعداد نصوص تعليمية ذات طابع ثقافي محلي، وتنظيم مهرجانات متعدّدة لتعزيز الحوار بين الثقافات.
ومن خلال تتبع هذه التجارب والانعكاسات الميدانية، يتضح بأن المسرح المدرسي ليس مجرّد منصة للتمثيل، بل هو فضاء تفاعلي يُنمي شخصية الطالب، ويرسّخ ثقافته، ويمنحه أدوات تعبير راقية. وبين الخشبة والفصل، يتكوّن جيل جديد، مثقف، واثق، منتمٍ، ومبدع.
