تكتسب جبال الدولوميت في شمال شرق إيطاليا قيمة ثقافية غير مسبوقة مع افتتاح مشروع "رينهولد ميسنر هاوس" الجديد، وهو أحدث مبادرات المتسلق الأسطوري رينهولد ميسنر، الذي يُعتبر من أعظم المغامرين في التاريخ.
هذا المشروع يضيف معنى جديداً لقصة هذه السلسلة الجبلية المذهلة، التي تقع بالقرب من الحدود النمساوية وتتميز بتكوينات جيولوجية عمرها يزيد عن 250 مليون سنة.
تُعرف المنطقة بطبيعتها القاسية، بقممها الشاهقة التي تشبه الكتدرائيات الحجرية ومنحدراتها العمودية العنيفة، وتتكون بشكل أساسي من صخور الدولوميت الكربوناتية التي ارتفعت بفعل الحركات التكتونية لمنطقة جبال الألب.
وتُعد المنطقة مسرحاً للانهيارات الأرضية والجليدية، ولا تدعم سوى خطوط التلفريك والطرق الحديدية (via ferrata)، وهي مسارات تسلق مُجهزة بكابلات وسلالم فولاذية شُيدت أصلاً كـ "طرق هروب غير متوقعة" خلال الحرب العالمية الأولى.
يأتي المشروع كجزء من شبكة أوسع من المتاحف تُعرف بـ "متاحف ميسنر الجبلية (MMM)"، والتي يعتبرها المتسلق نفسه بمثابة "القمة الخامسة عشرة التي يزيد ارتفاعها عن 8000 متر".
ويُخصص هذا المركز تحديداً للحفاظ على "الروح الأصلية لتسلق الجبال حية"، ويهدف إلى نقل معرفة ميسنر وخبرته إلى الجيل القادم. ميسنر، الذي يبلغ من العمر 81 عاماً وينحدر من بريكسن في مقاطعة تيرول الجنوبية، يمتلك سجلاً حافلاً لا يُضاهى.
ففي عام 1980، قام بأول صعود منفرد لجبل إيفرست، وبحلول عام 1986، كان قد قهر القمم الـ 14 الأعلى في العالم، متفرداً بإنجازها جميعاً دون استخدام الأكسجين الإضافي. بالإضافة إلى ذلك، قام بجرّ زلاجة بمفرده عبر جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، كما ألّف 80 كتاباً يسرد فيها مغامراته.
تم تطوير المتحف، الواقع في منطقة 3 زنين دولوميت، بالشراكة مع زوجته ديان، ويستجيب لنمو مستمر في أعداد الزوار إلى تيرول الجنوبية، التي أصبحت نقطة التقاء بين "مسرح للمتنزهين المبتدئين" و"أرض خيال لمتسلقي الجبال".
ويقع المتحف في موقع استثنائي: فوق هضبة جبل إلمو أعلى قرية سيكستن، ليس في بناء جديد، بل داخل محطة تلفريك سابقة كانت مُقررة للهدم.
وقد أشارت ديان ميسنر إلى أن هذا الاختيار يمثل "الاستدامة في العمل"، حيث تم تجنب استهلاك مواد وموارد جديدة بالاعتماد على الهيكل القائم.
وتُعرض في المبنى مجموعة موثوقة من أدوات التسلق وسجل زمني لإنجازات ميسنر، جنباً إلى جنب مع مقتنيات ثقافية وشخصية جُمعت من عقود من السفر، مثل عجلات الصلاة التبتية وأقنعة ماهاكالا، مما يجعله أشبه بملتقى روحي وفني يهدف إلى تعزيز "فهم أفضل لعلاقتنا مع الطبيعة".
وفي إحدى الغرف المصممة كأرشيف، تُعرض كنوز العصر الذهبي للتسلق من خرائط ومخططات وصور بالأبيض والأسود، وهي مواد لم يقم ميسنر نفسه بفرزها حتى الآن. وقد أوضح المتسلق المخضرم فلسفته في الحياة، مؤكداً أنه كان يعيش دائماً "في المستقبل"، ولم يكن يهتم بما يحدث لـ "جميع موادي" في الماضي.
وتُختتم التجربة بمنطقة عرض تتيح للزوار الوصول إلى شرفة ضخمة معلقة على المبنى، حيث يتمتعون بـ "نظرة الى عظة السماء " على الدولوميت؛ قممها التي تبدو كـ "أمواج حجرية عظيمة" وأسوار من الحجر الجيري تتقاطع مع حواف مسننة ترتفع فوق الغابات الخضراء، مؤكدة على أهمية المنطقة كمركز للتاريخ والمغامرة، وقيمتها المستمرة بعد أن أُدرجت ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2009.
