على الرغم من اندثار مملكة أوغاريت في رأس شمرة في محافظة اللاذقية السورية منذ أكثر من 3 آلاف عام، إلا أن صدى تلك الحضارة لا يزال مستمراً في ثقافة الناس ووجدانهم من خلال تداول مئات الكلمات في اللغة العربية أو في اللهجة المحلية للساحل السوري.
إن عظمة تلك الحضارة تجلت في أن أبجديتها حولت مئات المقاطع الصوتية إلى 30 حرفاً كتبت بخط مسماري، وكان لها دور كبير في تطوير لغات العالم الحية أجمع.
يقول الباحث الدكتور غسان القيم المتخصص في تاريخ أوغاريت لـ«البيان»: إن الأوغاريتيين عندما أوجدوا لغتهم بالطريقة الأبجدية كان الشرق القديم يعرف طريقتين للكتابة، الأولى الهيروغليفية أي الصورية كما في مصر، والمسمارية المقطعية كما في بلاد الرافدين لكنهما كانتا تتطلبان عدداً كبيراً من الإشارات الأمر الذي جعل استعمالهما صعباً.
ولفت إلى أن الكتابة الأوغاريتية التي ظهرت في 1400 قبل الميلاد تألفت من 30 إشارة مسمارية وكل واحدة ترمز إلى حرف ساكن مستقل عن الصوت.
وأضاف: «إن أبجدية أوغاريت مكنت الإنسان من تصوير كل صوت من أصوات اللغة برمز خلق من أجله فأصبح الرمز الكتابي يعكس صوتاً وصارت مجموعة الرموز تعكس كلمات بألفاظ وأصوات كاملة وصار بإمكان كل إنسان أن يكتب لغة كما يتكلمها ويسمعها».
وتابع: «إن رحلة الكتابة ابتدأت من كتابات تصويرية معبرة عن المعاني إلى كتابات معبرة عن الأصوات، حيث ابتعد الإنسان شيئاً فشيئاً عن الصورة حين أوجد الرموز وتوصل إلى الألفبائية وهي أرقى ما اخترعه إنسان سورية وقدمه إلى البشرية جمعاء».
هذه الأبجدية لم يحتكرها علماء أوغاريت لنفسهم بل قاموا بنقلها ونشرها في كل أرجاء المعمورة آنذاك لتعبر عن عبقرية ذهنية كبيرة شكلت انطلاقة أول ثورة معرفية ومعلوماتية في تاريخ البشرية.
وأشار القيم إلى أنه من بين الرقم الفخارية المهمة المكتشفة في القصر الملكي بأوغاريت وجود بعض التمارين لتلاميذ مبتدئين للنسخ نقشت باللغة الأوغاريتية وتبين هذه التمارين لتعليم الكتابتين (الآكادية والأوغاريتية).
وأردف: «في البداية كان أهل أوغاريت يتعلمون الكتابة بنسخ المسامير ثم الأحرف ثم الكلمات وأسماء العلم وكانت هذه العملية طويلة وصعبة باللغة الأكادية لأن على التلاميذ معرفة عدة مئات من الإشارات والمقاطع لكن تعلم كتابة اللغة الأوغاريتية وقراءتها كان بسيطاً جداً (30 حرفاً) يتم تعليمها في ترتيب ثابت أي (الأبجدية) ولهذا السبب تمت تسميته بالنظام الأبجدي».
واستطرد: «النصوص المنقوشة بالأوغاريتية تنقسم إلى مرتبتين؛ نصوص الحياة اليومية، ونصوص اللغة الممارسة التي تعكس إدارة الحياة الاقتصادية والقانونية والدينية ونصوص التقاليد والعادات والنصوص المكتبية التي تشهد على نقل التراث الثقافي والمعرفي».
واكتشف في أوغاريت إلى اليوم، وفقاً للقيم، ما يقارب الـ3557 رقيماً فخارياً وجدت بين أركانها ما بين عامي 1929 و1988 مع وثائق مكتوبة والعديد من النصوص المنقوشة على مواد كالأنصاب الحجرية والأسلحة والأوعية وغيرها فسرت علاقات أوغاريت الواسعة مع الممالك الأخرى.
ويشير القيم إلى أن الأبحاث العلمية تؤكد أن اللغة الأوغاريتية قريبة من العربية من حيث التراكيب وقواعد النحو والصرف والمفردات الخاصة وفيها نحو 1000 كلمة هي نفسها في لغة الضاد وبعضها الآخر نجد له صدى بلهجات الساحل السوري الدارجة.
وعن أهم الكلمات المتداولة في الساحل السوري من اللغة الأوغاريتية، قال القيم: «إن حضارة أوغاريت تمت ثقافتها واستمرت مع الناس إذ هناك الكثير من الكلمات المتداولة في الساحل السوري مصدرها تلك اللغة مثل؛ عيّن بمعنى أنظر، دجن بمعنى أكل، بت بمعنى بنت، تاب أو تبت بمعنى التوبة، يمو من يم البحر، وغيرها الكثير».
وأوضح القيم أن «مملكة أوغاريت كانت ممتدة على مساحة كبيرة في الساحل السوري وتم توثيق نحو 350 قرية ومزرعة كانت ضمن تلك المملكة، حيث ما زالت تلك المناطق المأهولة منها حالياً تحتفظ باسمها الأوغاريتي ولم تتغير منذ أكثر من 3 آلاف عام مثل بكسا، عين اللبن، جناتا، العمرونية، الجندرية وغيرها الكثير».
