دخلت السينما العربية مرحلة جديدة من التميز العالمي بعد إعلان أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (الأوسكار) عن القائمة القصيرة لفئة أفضل فيلم دولي لعام 2026.

ولم يكن وصول4 أفلام عربية من أصل 15 فيلماً عالمياً مجرد مصادفة، بل جاء تتويجاً لعام حافل بالجوائز في مهرجانات "كان" و"فينيسيا" و"تورونتو"

. وتكتسب هذه المشاركة أهمية مضاعفة كونها تسلط الضوء على السردية الفلسطينية وقضايا الذاكرة العربية بأساليب سينمائية مبتكرة هزت الأوساط النقدية العالمية.

صوت هند رجب

تتصدر تونس المشهد بفيلم "صوت هند رجب" للمخرجة كوثر بن هنية ، و التي تُعد اليوم "أيقونة" السينما العربية المعاصرة، كانت قد دخلت التاريخ سابقاً كأول مخرجة تونسية تصل إلى القائمة النهائية للأوسكار بفيلم "الرجل الذي باع ظهره" (2021).

في فيلمها الجديد، تجسد المأساة الحقيقية للطفلة "هند رجب" في غزة، محولةً تسجيلات الاستغاثة الصوتية إلى وثيقة سينمائية نالت "الأسد الفضي" في مهرجان فينيسيا.

واللافت هو الدعم العالمي الذي حظيت به من قبل نجوم عالميين مثل براد بيت وخواكين فينيكس كمنتجين منفذين، مما منح العمل زخماً هائلاً في أروقة هوليوود.

فلسطين 36

وفي سياق الملاحم التاريخية، تبرز المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر بفيلمها "فلسطين 36". جاسر، وتُعد رائدة السينما الفلسطينية الحديثة، تلتزم في عملها الجديد بتقديم رواية تاريخية دقيقة لثورة 1936 ضد الانتداب البريطاني.

يعتمد الفيلم على إنتاج ضخم يجمع نجوماً من طراز صالح بكري وجيريمي آيرونز، وقد صُور في مواقع تعكس عبق التاريخ الفلسطيني.

ويؤكد النقاد في "هوليوود ريبورتر" أن الفيلم ينجح في تحويل القضية من إطارها السياسي الضيق إلى رحاب الدراما الإنسانية العالمية.

اللي باقي منك

أما الأردن، فيراهن على رؤية المخرجة والكاتبة شيرين دعيبس في فيلم "كل ما تبقى لكم"،دعيبس، التي حققت شهرة واسعة بفيلمها الأول "أمريكا"، تمتاز بقدرتها على تقديم القضايا المعقدة بأسلوب إنساني بسيط يصل لقلب الجمهور الغربي.

في فيلمها المقتبس عن رواية الأديب غسان كنفاني، لم تكتفِ بالإخراج بل شاركت في البطولة، لتقدم ملحمة عابرة للأجيال تتناول "النكبة" وتداعياتها.

وقد وصفت منصة "فارايتي" الفيلم بأنه "قصيدة سينمائية عن الذاكرة والهوية"، مشيدةً بقدرة دعيبس على دمج الشخصي بالعام ببراعة متناهية.

كعكة الرئيس

ومن العراق، يبرز الوجه الجديد والمفاجأة الكبرى حسن هادي بفيلمه الأول "كعكة الرئيس"، واستطاع هادي أن يثبت أن السينما العراقية قادرة على المنافسة الدولية رغم قلة الإمكانات، حيث حصد جائزة "الكاميرا الذهبية" في مهرجان كان.

يعتمد هادي على "الواقعية السحرية"؛ حيث يستخدم عيون طفلة في بغداد خلال التسعينيات لرصد الرعب الكامن خلف تفاصيل الحياة اليومية تحت ظل نظام شمولي.

هذا النجاح دفع مؤسسات دعم السينما في أوروبا لفتح باب التمويل المشترك لمشاريع عراقية قادمة، معتبرةً أن هادي أعاد تعريف "سينما الحصار".

وتأتي هذه النجاحات في وقت واجهت فيه هذه الأعمال تحديات قانونية ورقابية دولية؛ ففيلم "صوت هند رجب" واجه ضغوطاً رقمية للتضييق على محتواه، بينما اضطر المخرج حسن هادي لتجاوز عقبات لوجستية وأمنية هائلة لتصوير عمله، ما يمنح وصول هذه الأفلام للأوسكار صبغة "المقاومة الفنية".

كما ساهمت منصات البث العالمية في التمهيد لهذا النجاح؛ إذ إن الصيت السابق لهؤلاء المبدعين جعل أسماءهم مألوفة للمصوتين في هوليوود، مما حول الفيلم العربي من عمل "أجنبي" إلى جزء أصيل من الصناعة العالمية المنافسة.

وتستند حظوظ العرب هذا العام إلى قواعد التصويت الصارمة التي أقرتها الأكاديمية؛ حيث يُشترط على الأعضاء تقديم إقرار بمشاهدة جميع الأفلام الـ 15 المدرجة في القائمة القصيرة.

هذا الإجراء يضمن للأفلام العربية فرصاً متساوية في المشاهدة أمام الأفلام ذات الحملات الإعلانية الضخمة.

ومع تصاعد التعاطف العالمي مع القضايا الإنسانية التي تطرحها هذه الأعمال، يبدو أن عام 2026 قد يكون العام الذي تكسر فيه السينما العربية حاجز "الترشيح" لتصل إلى منصة "التتويج" بالتمثال الذهبي في شهر مارس المقبل.