مرّ عام 2025 متميزاً على قطاع المتاحف في الإمارات، فقد شهد أحداثاً كبرى، تمثلت بتعزيز الدولة محفظتها من المتاحف الكبرى، وتجسد ذلك في افتتاح «متحف زايد الوطني» ومتحف دبي للفنون DUMA.

إضافة إلى «متحف التاريخ الطبيعي»، إذ يعزز مكانة الإمارات بوصفها إحدى أغنى دول العالم في الميدان، حيث توجد في باقة من المتاحف المتفردة.

وجاء هذا كله في سياق اهتمام عام، رسمي وحكومي، بالمتاحف كحواضن ثقافية تهتم بالتاريخ والفنون والإنجازات الإنسانية على أنواعها، وقد شهد عام 2025.

في هذا السياق، توجهاً قوياً لوضع المتاحف على قائمة الاهتمام العام، وإشراكها بالحياة الثقافية بقوة، في خطوة نقلت هذه المؤسسات المهمة إلى صدارة الفاعلين في المشهد الثقافي، ووضعتها في مقدمة الجهات المساهمة الاقتصاد الإبداعي في الدولة.

متحف زايد الوطني

تزامنت احتفالات الدولة بعيد الاتحاد مع حدث تاريخي كبير آخر، فقد شهدت العاصمة أبوظبي، يوم 3 ديسمبر 2025، افتتاح «متحف زايد الوطني»، الذي يحمل صفة المتحف الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، وشرع أبوابه رسمياً أمام الزوار، في قلب المنطقة الثقافية في السعديات، التي تعد أحد أكبر تجمعات المؤسسات الثقافية في العالم.

يأخذ متحف زايد الوطني زواره في رحلة تفاعلية لتعريفهم بالتاريخ العريق للدولة، بدءاً من العصور القديمة وحتى يومنا الحاضر، وذلك من خلال الجمع بين التحف الأثرية والقطع التاريخية والتجارب السمعية والبصرية والحسية، إلى جانب أعمال فنية معاصرة تعكس روح الماضي والحاضر.

ويتعقّب هذا الصرح الثقافي الرائد الذي صمّمه المهندس المعماري العالمي اللورد نورمان فوستر، الحائز جائزة بريتزكر، أقدم دليل على الوجود البشري في هذه المنطقة، وسبل الحياة في الحضارات القديمة وازدهارها على امتداد قرون، ويسلّط الضوء على الروابط التي نشأت وتوطّدت عبر طرق التجارة، ويحتفي بالعوامل الفريدة لتراث الدولة وثقافتها.

ويروي «متحف زايد الوطني» قصة أرض الإمارات منذ العصور القديمة حتى يومنا الحاضر، ليكون المرجع الأشمل حول التاريخ والثقافة الإماراتية، ويوفّر فرصة للتواصل مع التراث الثقافي بأسلوب ملموس وتفاعلي، يعزز الوعي العميق بتاريخ الدولة الممتد عبر مئات الآلاف من السنين.

وبصفته المتحف الوطني للدولة، يستمد المتحف جوهر رسالته من إرث وقيم الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كما يحتفي بإرثه، ويجسد قيمه الراسخة لتعزيز الموروث الثقافي، والتعليم، وترسيخ الهوية، والانتماء.

وتبدأ تجربة المتحف في حديقة المسار، التي تعد بمثابة صالة عرض خارجية، تجمع بين البيئات الطبيعية التي شكلت الحياة في الإمارات. ويبلغ طولها 600 متر تمتد من ساحل السعديات بين «متحف اللوفر أبوظبي» و«متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي» وصولاً إلى مدخل المتحف.

وتضم نباتات وأشجاراً محلية تمثل البيئة الصحراوية والواحات والمناطق الحضرية، إضافة إلى نظام الري بالأفلاج ومنحوتات فنية وأعمال تخاطب الحواس المتعددة، وتسلسل زمني يتتبع سيرة حياة الشيخ زايد وتاريخ الإمارات.

ويضم متحف زايد الوطني أكثر من 3000 قطعة، وسيتم عرض أكثر من 1500 منها في صالات العرض. تشكل كل قطعة نبذة عن مسيرة الدولة لتكشف عن التجارب اليومية والتبادلات الثقافية والقيم الخالدة التي شكلتها.

وتغطي صالات العرض 300 ألف عام من التاريخ البشري في هذه الأرض، بما فيها العصر الحجري القديم، والعصر الحجري الحديث، والعصر البرونزي والحديدي، والعصر الإسلامي، وصولاً إلى التاريخ الحديث.

ويقدم متحف زايد الوطني تاريخ أرض الإمارات منذ العصور القديمة حتى يومنا الحاضر عبر رحلة تفاعلية تجمع بين أحدث التقنيات والتجارب السمعية والبصرية والحسية، والقطع الأثرية والمقتنيات التاريخية ونماذج للثقافة، ما يوفّر وسيلة تفاعلية لاستكشاف قصة دولة الإمارات وتطورها عبر الزمن.

متاحف دبي.. عراقة وتميز

تتميز متاحف دبي بغناها وأهمية محتوياتها، إذ أصبحت تحوز مكانة حضارية عالمية، تتناغم ومكانة وتفرد الإمارة، ومن بين أبرزها : متحف الاتحاد ومتحف المستقبل ومتحف الشندغة ومتحف ساروق الحديد ومتحف دبي للفنون الذي أعلن عن إطلاقه في هذا العام.

وتتبدى متاحف دبي، بمضامينها ورؤاها، منائر إشعاع حضارية تنبض القيم الحضارية والفرادة، إلى جانب كونها صروحاً ثقافية مميزة ومراكز تعليمية فاعلة، تروي قصص التاريخ وترسم مسارات التطور الإنساني ومستقبل خير ورفاهية وتقدم البشرية، ذلك إلى جانب تعريفها بعراقة وثراء تاريخ دبي والإمارات. كما يبرز في السياق، متحف الاتحاد الذي يحكي نشأة اتحاد الإمارات وتأسيس الدولة.

واحتضنت متاحف دبي، باقات متنوعة وغنية من الفعاليات والمعارض، إلى جانب الجلسات والمنتديات الثقافية، التي عززت وعكست توجهات دبي في مضامير الانفتاح والتنوع الحضاري. كما برزت في الخصوص، الفعاليات التي نظمها متحف المستقبل، حيث استشرفت مستقبل خير ورفاهية البشرية.

متحف التاريخ الطبيعي

شهدت العاصمة أبوظبي في 22 نوفمبر 2025، حدثاً كبيراً تمثل بافتتاح «متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي»، الذي يشغل مساحة 35,000 متر مربع في المنطقة الثقافية في السعديات، ويضم معارض توفر رحلة غامرة عبر 13.8 مليار سنة من التاريخ الطبيعي، ما يبرز الإسهام المميز للمنطقة في العالم الطبيعي.ويعد هذا المتحف، الذي يركز على استعراض تاريخ تطور الحياة والكون، أحدث إضافة إلى المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات.

وتتوج هذا الحدث بفتح أبواب المتحف أمام الجمهور، ليتكامل مع قائمة المتاحف المجاورة له والقريبة منه، مثل «متحف اللوفر أبوظبي»، «متحف تيم لاب فينومينا»، و«متحف زايد الوطني».

ومثل افتتاح «متحف التاريخ الطبيعي أبوظبي» إنجازاً ثقافياً مهماً، يعزّز مكانة الدولة وجهةً عالميةً للمعرفة والبحث العلمي والثقافة، بوصفه أكبر متحف من نوعه في المنطقة، ومعلماً ثقافياً بارزاً يروي قصة الحياة على الأرض من منظور عربي، يضيف إلى المشهد الثقافي المزدهر في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ويأخذ المتحف زوّاره في رحلة عبر 13.8 مليار سنة من التاريخ الطبيعي، من نشأة الكون والمجموعة الشمسية إلى تطوّر الحياة على الأرض وانتشار الديناصورات وانقراضها، وصولاً إلى التنوّع البيولوجي المذهل لكوكب الأرض. ومن أبرز معروضات المتحف ثلاثة مسافرين من أعماق الزمن:

التيرانوصور ركس الضخم، الذي عاش قبل 67 مليون سنة حين كان سيد الأرض بلا منازع، ونيزك مورتشيسون، المسافر الكوني الذي شهد ولادة كوكبنا.

ويضمّ حبيبات يعود عمرها إلى سبع مليارات سنة، أي إلى ما قبل تكوّن المجموعة الشمسية، والحوت الأزرق، أضخم كائن معروف على وجه الأرض، يعرضه المتحف بمثال عن أنثى حوت أزرق يبلغ طولها 25 متراً، مقدّماً نموذجاً عن تنوّع الحياة البحرية، واستمرارية قصة الحياة على كوكبنا. ومن جانب آخر، يشكّل التنوّع النباتي والحيواني والتاريخ الجيولوجي للمنطقة جزءاً محورياً رئيسياً من رحلة الزائر.

وكما يقوم المتحف بدور مؤسسيّ بحثيّ وتعليمي، إذ يسهم في نشر المعرفة العلمية، وإيصال أحدث الأبحاث إلى جمهور أوسع، ملهماً الأجيال المقبلة نحو مستقبل أكثر وعياً واستدامة.

ويشكّل التاريخ الطبيعي لشبه الجزيرة العربية، عبر صالات العرض، جزءاً لا يتجزّأ من القصة التي يسعى المتحف إلى تسليط الضوء عليها. ومن أبرزها الاكتشافات المحلية التي وجدت في أبوظبي، وتضم نوعاً من الفيلة يعرف باسم «ستيجوتيترابيلودون».

وهو من فصيلة الفيلة القديمة التي تميّزت بامتلاكها أنياباً في الفكين العلوي والسفلي معاً، وهي سمة نادرة لا توجد لدى الفيلة الحديثة، ما يمنح الزوّار نظرة فريدة إلى مسيرة تطوّر هذه الكائنات، ويعكس في الوقت نفسه غنى المنطقة بالإرث الطبيعي الفريد. وصمّم مبنى المتحف ليبدو كأنه جزء من طبيعة جزيرة السعديات، ينهض من أرضها بتكوين عضويّ يشبه تشكّلات الصخور الطبيعية.

ويجسّد التصميم رسالة المتحف في ربط الإنسان بعالم الطبيعة، وإلهام جيل جديد من المستكشفين والمبدعين للسؤال والاكتشاف والمشاركة في بناء مستقبل أكثر استدامة.

يحتضن المتحف قاعات ومعارض دائمة تأخذ الزائر في رحلة متكاملة عبر تاريخ الكون وتحوّلات الحياة على الأرض، تجمع بين المعرفة والاكتشاف بأسلوب تفاعلي حديث، ومن بين القاعات الرئيسة: «قصة كوكب الأرض»، و«العالم المتطور»، و«عالمنا»، و«الكوكب المرن»، و«مستقبل الأرض».

ويضمّ مسرحاً تفاعلياً يقدّم عروضاً تنقل الزوّار في رحلة فريدة عبر الزمن. وقدّم المتحف، بمناسبة افتتاحه، معرضين عالميين، هما «مسيرة التريسيراتوبس»، و«معرض المصوّر الفوتوغرافي للحياة البرية» في نسخته الحادية والستين.

متاحف الشارقة.. سير التاريخ والحاضر

سجلت متاحف إمارة الشارقة عاماً من الأنشطة والفعاليات التي تواصلت على مدار العام، وعبر 16 متحفاً على مستوى الإمارة، تتميز بتنوع هائل في مواضيعها بين الفنون والثقافة الإسلامية، وعلوم الآثار والتراث، والعلوم والأحياء المائية، وتاريخ إمارة الشارقة ودولة الإمارات.

وجاءت الفعاليات المتحفية في الشارقة خلال 2025 لتحمل تواقيع مجموعة من أقدم المتاحف في الإمارة، منها «متحف الشارقة للحضارة الإسلامية» و«متحف الشارقة البحري» و«متحف الشارقة للتراث».

و«حصن الشارقة» و«متحف المحطة» و«متحف الشارقة للآثار» «متحف الشارقة للخط» و«بيت النابودة» و«بيت الشيخ سعيد بن حمد القاسمي» و«مربى الشارقة للأحياء المائية» و«متحف الشارقة للسيارات القديمة» و«متحف الشارقة العلمي».

وشهد برنامج متاحف الشارقة فعالية «سوا. برنامج علم المتاحف»، وهو برنامج تفاعلي يجمع الباحثين والقيّمين والطلاب لتبادل الخبرات في مجال المتاحف. كما تضمن «جولات إرشادية وورش عمل تراثية: في حصن خورفكان»، مع برامج تفاعلية وألعاب تقليدية.

فيما قدم متحف الشارقة للتراث معرضاً حول «النباتات المحلية في دولة الإمارات»، واستضاف متحف الشارقة للآثار معرضاً «من الحجارة: أدوات صنعت عصور ما قبل التاريخ في قطر».

واستضاف «متحف الشارقة للفنون» معرض «سراج»، الذي ضم أعمالاً فنية مستوحاة من الفن الإسلامي. فيما ركز «متحف الشارقة للخط» على فعاليات ومعارض تقدم أعمالاً فنية لخطاطين عالميين ومحليين، مع التركيز على تطور الخط العربي.

وفي ذات السياق، جاء معرض «أنا في متاحف الشارقة»، ليجسد الواقع المزدهر الذي يعيشه قطاع المتاحف في الشارقة، عبر عرض الأعمال الفائزة لطلبة المدارس في مسابقة التصوير.

واحتضن «بيت الشيخ سعيد بن حمد القاسمي» معرض «أطياف الزمن الجميل»، فيما احتفل «بيت النابودة» بمرور 30 عاماً على افتتاحه بمعرض تفاعلي عن تكوين اللؤلؤ.

متحف العين

وكان سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، ممثل حاكم أبوظبي في منطقة العين، قد شهد خلال أكتوبر الماضي، حفل إعادة افتتاح متحف العين بعد عملية تطوير شاملة لترميم المبنى التاريخي حفاظاً على قيمته الثقافية والأثرية، وإضافة مرافق وقاعات عرض جديدة مزودة بأحدث التقنيات التفاعلية وفقاً لأرقى المعايير في قطاع المتاحف التاريخية.

وتأسس المتحف في عام 1969 على يد الوالد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ويعد أول متحف في دولة الإمارات والمرجع الأساسي للآثار والتاريخ الثقافي الغني لمنطقة العين. ويستعرض المتحف مسيرة الوجود البشري في منطقة العين، حيث يضم المتحف قطعاً أثرية يعود تاريخها إلى أكثر من 8000 عام.

«اللوفر أبوظبي»

قدّم اللوفر أبوظبي موسماً حافلاً، تضمن ثلاثة معارض فريدة، تمتد عبر قرون عديدة وقارات مختلفة، وتجمع بين تقاليد فنية متنوّعة ووجهات نظر متعددة. ويسلّط الموسم الجديد الضوء على الإرث التاريخي، والتعبيرات المعاصرة، واتفاقيات التعاون الرائدة، ويعزّز دور المتحف مركزاً للحوار الثقافي ومنصة للاكتشاف الفني.

وافتتح الموسم بمعرض «المماليك: الإرث والأثر» الذي تم تنظيمه بالتعاون مع متحف اللوفر ووكالة متاحف فرنسا، ليقدّم نظرة متعمّقة على مملكة المماليك ذات النفوذ القوي وتأثيرها الثقافي الممتد عبر مساحات شاسعة. كما تضمن الموسم «معرض فن الحين 2025». ومن أبرز معالم هذا الموسم معرض بيكاسو «تصوّر الشكل».

وإضافة إلى ذلك، استضاف اللوفر أبوظبي مجموعة متنوّعة من البرامج التعليمية والثقافية، وفعاليات مصمّمة لتعزيز التفاعل والحوار، ليشكّل موسم 2025 - 2026 في اللوفر أبوظبي احتفالاً متميّزاً بالإبداع الإنساني والتبادل الثقافي والاستكشاف الفني.

«متحف عجمان»

برز «متحف عجمان»، الذي يعد واحداً من أكثر الأماكن التاريخية زيارة في إمارة، لما يحتويه من مجموعة مذهلة من القطع الأثرية الموجودة في حصن جميل مرمم، يعود إلى القرن الثامن عشر.

حيث كان مقر الحاكم حتى شهر 3 عام 1970. وتقدم المعروضات لمحة جذابة عن ماضي عجمان، حيث يمكن رؤية مخطوطات عمرها قرون عديدة، إضافة إلى قسم مخصص لتجارة اللؤلؤ.

«متحف أم القيوين»

يحتفظ «متحف أم القيوين» بالعديد من القطع التذكارية لكبار الشخصيات قديماً، العربية والعالمية منها. ويشتمل على جناح خاص للهدايا التي قدمت للحاكم في مختلف المناسبات، إلى جانب مجموعة من الحليّ الذهبية القديمة التي تعكس مدى اهتمام المرأة بالزينة، وتبيّن الفن القديم لبائعي الذهب في منطقة الخليج.

ويحتضن المتحف آثار منطقتي الدور وتل الأبرق، التي تعود لآلاف السنين. ويختزل «متحف حصن فلج المعلا» ذاكرة 200 عام من تاريخ «أم القيوين».

متحف الفجيرة.. نجاحات وتطوير

يتمحور نشاط «متحف الفجيرة» حول استكشاف التاريخ والتراث الإماراتي، حيث يعرض اكتشافات أثرية محلية وحياة تقليدية، بالإضافة إلى معروضات تراثية تتعلق بالمهن المحلية مثل الزراعة وصيد الأسماك والتجارة. كما يضم معروضات دائمة تكشف عن الاكتشافات الأثرية المحلية والطريقة التقليدية للحياة في الإمارة.