يشكل العمل الأدبي بصمة فريدة تعكس خصائص مبدِعه وملامح شخصيته المميزة، ويحمل كل أديب في نفسه مشاعر تملُّك تجاه النص الذي أنتجه، يبررها الجهد المبذول في سبيل أن يرى منجزه النور.

ومع ظهور دعوات إلى تطبيق التحرير الأدبي على الأعمال الإبداعية التي تُنشر في عالمنا العربي، بعدما أسهمت الفكرة في نهضة النص الأدبي بصورة ملحوظة في البلدان الغربية، نشأ جدل حول مدى تأثر النصوص المحرَّرة بالسلب، بحيث يؤدي تدخل المحرر الأدبي في النص إلى ضياع السِّمة المعبِّرة عن روح الأديب، وغياب شخصيته الإبداعية.

محمد ربيع

وأوضح الكاتب والمحرر الأدبي محمد ربيع، لـ«البيان»، أنه لا قلق على مستقبل تفرُّد النص الأدبي من حيث سماته الفنية في حال شيوع فكرة التحرير الأدبي وانتشار ثقافتها في العالم العربي.

مؤكداً أن النصوص لن تتشابه إذا عكف على تحريرها محرر أدبي واحد؛ لأن من أساسيات عمل المحرر الحفاظ على خصوصية الكاتب ولغته وأسلوبه.

ولفت إلى أن النقاد تعاملوا مع نصوص أدبية عديدة خضعت لعملية التحرير الأدبي، وحكموا على إبداع كتاب مشهورين كالروائي الأمريكي إرنست همنغواي الذي كان له محرِّره الخاص.

وكذلك الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو، مبيناً أنه لا يُذكر أن أحداً من أولئك النقاد استطاع التفريق بين النص الأصلي والمحرَّر، بل اعتمدوا على النص النهائي بصفته نص الكاتب؛ وذلك نظراً إلى أن عمل المحرر الأدبي في النص لا يشكل سوى تأثير بسيط جداً.

وفيما يخص تحرير الأعمال الشعرية، قال ربيع: «بالنسبة إليَّ، لا أتعامل مع النصوص الشعرية، ولا دراية لي بآلية عمل زملائي المحررين في هذا الجانب؛ لأن ذائقتي الشعرية محدودة جداً مقارنة بالذائقة السردية».

نقاء النص

أحمد العلي

ورأى الشاعر والمحرر الأدبي أحمد العلي أن ثمة مدرستين في تطبيق عملية التحرير الأدبي على النص، وأن من المحررين من يلتزم بمعالجة الجانب الموضوعي فحسب، في حين يتوسع آخرون في تعاملهم مع النصوص إلى الدرجة التي تظهر معها شخصياتهم الإبداعية في النص المحرَّر، مؤكداً أن الاتجاه الأول هو ما ينبغي أن يتقيد به العمل التحريري.

وقال العلي: «إن المتلقي العربي منشغل دائماً بقضية نقاء النص الأدبي وكماله، لكنَّ الواقع أن جمال النص وروعته الفنية وبلوغه رتبة الإبداع قد لا تتحقق إلا بتدخل أكثر من يد في صياغته».

وأشار إلى أن الوزن والقافية من العوامل الموضوعية في الشعر التي تقبل الصواب والخطأ، وتتيح للمحرر الأدبي أن يتدخل في النص لمعالجة عيوبه الإيقاعية، وأن هناك مستويات أخرى للتحرير تشمل أيضاً الصور البلاغية والتقاليد الفنية المتَّبعة في الشعر.