في عام يفيض بالدهشة، ويعيد صياغة حدود الحلم، كتبت دبي في 2025 فصلاً جديداً من حكايتها الثقافية، حكاية لا تعرف السكون، ولا تُشبه إلا نفسها.
فبرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تواصل دبي مسيرة ازدهار، يتناغم فيها الإبداع مع الابتكار، ويواكبها نهج طموح، يتعزز بدعم سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، ويرسّخ ملامح دبي مدينة عالمية، تعانق الفنون، كما تعانق السماء.
في قلب المشهد الثقافي، ترسم الرؤية الإبداعية لسمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، ملامح بيئةٍ تُشرق فيها المواهب، وتحتفي بالقصص، ويُصاغ فيها الجمال بلغة تتجاوز الحدود، لتتشكل فسيفساء المبادرات والإنجازات الثقافية، وتؤكد أن روح دبي لا تكفّ عن الإبداع، وأن المستقبل هنا يبدأ من الثقافة.
فخلال عام 2025، عززت دبي مكانتها الثقافية الراسخة، وأكدت أهميتها، بصفتها وجهة إبداعية رائدة، وتجاوزت حدود التقليد، لتدفع بوصلتها الثقافية نحو آفاق جديدة، تحوّل المشهد الإبداعي إلى حركة يومية نابضة، فأعادت تعريف دور الثقافة، بوصفها رافعة للتنمية، ومختبراً للإبداع، ومنصة تلتقي فيها المعرفة بالفن والابتكار.
وشكّل 2025 فصلاً جديداً في سيرة الإمارة، التي أدركت قيادتها الرشيدة أن المستقبل لا يُبنى بالعمران وحده، بل بالفكر، والمعرفة والثقافة والفنون. فمن الأزقة التاريخية التي امتلأت بألوان مهرجان «سكة للفنون والتصميم»، إلى قاعات المتاحف، التي ازدحمت بخبراء «آيكوم».
ومن مسارح الشباب إلى فضاءات السركال، بدا العام كأنه احتفال طويل بالثقافة، وتأكيد قوي أن دبي اختارت أن تكتب مستقبلها بلغة الإبداع، مؤكدة مكانتها عاصمة عالمية للاقتصاد الإبداعي.
وانطلق العام بموسم دبي الفني 2025، الذي امتدّ من يناير إلى أبريل، وضم في جنباته مهرجان «المرموم»، ومهرجان القوز للفنون، ومهرجان سكة للفنون والتصميم، و«آرت دبي»، وغيرها من الفعاليّات التي تنوّعت بين المسرح، والتصوير، والتصميم، والفنون البصرية، وورش العمل التي فتحت آفاقاً واسعة لمبدعين محليين وإقليميين.
وفي قلب دبي التاريخي، تحوّلت النسخة الـ 13 من مهرجان سكة للفنون والتصميم، إلى احتفال حي بالإبداع، يجمع تراث المكان وأناقة الحداثة في لوحة فنية نابضة بالحياة، وخلال المدة (31 يناير - 9 فبراير الماضي)، انتشرت وسط أزقة حي الشندغة أكثر من 350 قطعة فنية بين جداريات، ومنحوتات، وأعمال تركيبية، تجاوزت 19 بيتاً، وساحات محيطة بخور دبي، لتزيّن المساحات العامة، وتروي حكايات الماضي والحاضر.
وفي خضم الاحتفالية الرائعة، انخرط الأطفال والشباب وعشّاق الفن في ورش تفاعلية، ليرسموا ويبدعوا قطعاً من الخزف، بينما جاءت منحوتات مثل «قواقع»، و«سماء مرصعة بالنجوم في دبي».
لتمثّل رؤية فنية معاصرة لمدينة تنبض بالحياة، ليغدو مهرجان «سكة» شهادة على حيوية المشهد الثقافي في دبي، وعلى كون الإمارة حاضنة للفنون، ومحطة تجمع الأصالة والحداثة، حيث يتحول الحجر القديم إلى ألواح تروي صدى الأجيال، عبر ألوان وأشكال وفنون لا تنطفئ.
«أسبوع دبي للتصميم 2025»
وطوى «أسبوع دبي للتصميم 2025»، صفحته الحادية عشرة، محققاً حصاداً ثقافياً يذكِّر بأن التصميم لم يعد ترفاً تجميلياً، بل لغة حضارية، تنسج بين الوظيفة والجمال، وبين التراث والرؤية المستقبلية.
وانطلقت الفعاليات برعاية سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، بمشاركة نحو ألف مصمم ومبدع من أكثر من 50 دولة.
وعلى مدى 6 أيام، امتلأت أروقة «حي دبي للتصميم» بمعارض تركيبية، ومعارض فن وتصميم راقٍ، إضافة إلى سوق مفتوح للحرفيين والمصممين المحليين، جاعلاً من أسبوع التصميم مساحة نابضة للتبادل الفني والثقافي.
ومن اللافت هذا العام، أن الحدث فتح أبوابه أمام أصوات من المنطقة والعالم، بإبداعات تعيد رسم العلاقة بين الإنسان والمكان، من خلال التركيب المعماري، وتصميم الأثاث، والديكور، وحتى الحرف اليدوية التي تحمل بصمة الهوية.
وفي جولة داخل المعرض، التقت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم بفئات من الحرفيين والمبدعين الشباب، مطلعة على مشروعاتهم الصغيرة، ومدعّمة طموحاتهم في أن تتحول أعمالهم إلى مشاريع مستدامة، ذات قيمة اقتصادية وثقافية.
وكتب أسبوع دبي للموضة هذا العام، فصلاً جديداً مشرقاً من الإبداع والثقافة، محاطاً بأضواء الفخامة وأيقونات الأناقة، وأصبح الحدث أكثر من مجرد عروض أزياء، بل مساحة نابضة بفنون الحرف، والحوار الثقافي، وطموحات المستقبل.
ومع انطلاق الحدث من يومه الأول، شهد الأسبوع تدفق ما يزيد على 30 علامة تجارية من شتى بقاع العالم، لتقدم مجموعات راقية، تعكس روح التنوع والتجدد، كما برزت عروض منحت منصة الموضة صوتاً جديداً للمواهب الناشئة، معتبرة الموضة وسيلة تعبير عن الذات، وجسراً بين الثقافات.
وارتقى أسبوع دبي للموضة إلى تجربة شاملة، امتدت في أرجاء المدينة: جلسات حوارية، فعاليات إعلامية، احتفاء بالاستدامة، وعروض موازية أتاحتها المدينة كلها لعشّاق الفن والثقافة، ورسّخ مكانته، ليس منصةً لصياغة موضة الغد فقط، بل منبراً للثقافة والإبداع، يحمل بين خيوطه صوت العالم وطموح الأجيال، حيث تتلاقى الفخامة مع الحرفية، والحداثة مع الجذور.
واستقبلت مكتبات دبي العامة ومواقع ثقافية المخيمات الصيفية 2025، مقدّمة تجارب معرفية وتراثية وإبداعية للأطفال والشباب، من «مخيم مغامرة الآثار» في متحف الشندغة، إلى برامج الذكاء الاصطناعي والتصميم في مكتبات الإمارة، ما أسهم في غرس حب الثقافة والفن منذ الصغر.
وفي أكتوبر، فتحت هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، باب التسجيل لمنتدى القوز للريادة الإبداعية 2025، تحت شعار «الشغف، الربح، والإمكانات»، لتجمع رواد أعمال ومصممين وفنانين ومستثمرين، وتدفعهم إلى استكشاف آفاق الاقتصاد الإبداعي في دبي، وتحويل الإبداع من فكرة إلى مشروع.
وعلى الساحة المتحفية، شكّل تنظيم المؤتمر العام السابع والعشرين للمجلس الدولي للمتاحف «آيكوم دبي 2025»، ذروة الحراك الثقافي غير المسبوق، الذي كانت دبي أول مستضيف له في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، وجمع نخبة من الخبراء والمتخصصين من جميع أنحاء العالم، الذين ركزت نقاشاتهم على تجارب التعليم المتحفي، وأهمية تفعيل الحوار المناخي، وتعزيز التعاون العالمي.
وتحت شعار «أسواق المعرفة: تطوير المجتمعات المستدامة»، جمعت «قمة المعرفة 2025» في دورتها العاشرة، نخبة من مفكّرين وخبراء وقادة رأي من أكثر من مئة دولة، على مدى يومين من 19 إلى 20 نوفمبر، في مركز دبي التجاري العالمي، لتكون دليلاً حياً على أن المعرفة ليست مجرد ثقافة تُقرأ، بل هي اقتصاد يُبنى، ومستقبل يُصنع.
وفي أجواء مفعمة بالإبداع والحوار، احتضنت القمة أكثر من 58 جلسة حوارية، شارك فيها نحو 130 متحدثاً عالميّاً، بحثوا قضايا جوهرية، من اقتصاد المعرفة، إلى الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، ومن البحث العلمي، إلى التنمية المجتمعية والاستدامة.
ووسط هذا الزخم الفكري، تم إطلاق النسخة الجديدة من مؤشر المعرفة العالمي، الأداة الاستشرافية التي تقيس مدى جاهزية الدول لبناء اقتصاد المعرفة، وتعكس خريطة التنافس المعرفي على مستوى عالمي.
استدامة وإنسانية
وأثمرت القمة عن توصيات تصب في مصلحة تعزيز الاستثمارات في البحث والابتكار، وتمكين الشباب بمهارات المستقبل، وتوسيع الشراكات الدولية، لتؤكد دبي بذلك أن المعرفة ليست رفاهية أو شعاراً، بل هي نبض المجتمع، وقوة تحرك العالم نحو استدامة وإنسانية أفضل.
وفي عام تمدّد بالإشراق الثقافي، بدت ندوة الثقافة والعلوم في دبي، كما لو أنها نبضٌ لا يهدأ، ترفده المدينة بروحها المتجددة. وعلى خطى ما اعتادته الساحة الثقافية في الدولة، سجّل عام 2025 حضوراً دافئاً للمعرفة، توثّقه فعاليات احتضنتها الندوة.
فبين أمسيات احتفت بوهج الأدب، ومعارض أضاءت تجارب التشكيل الإماراتي، نسجت الندوة عاماً غنياً بالحوارات والقراءات والعروض، مقدّمة منصة رحبة لصوت المبدع.
وفضاءً مفتوحاً لاكتشاف الجمال، وصانعة جسراً بين أجيال من المثقفين، تلاقت فيه الرؤى حول دور الثقافة في صياغة المستقبل، ليبدو المشهد الثقافي لوحة واسعة التفاصيل، شاهدة على أن دبي لا تكتفي بصناعة المستقبل، بل تصوغ لغته أيضاً.
وفي «السركال أفينيو» في دبي، كان جمهور الإبداع على موعد مع ثقافات وذكريات وفنون تنصهر في بوتقة حيّ واحد، حيث امتلأت أروقة «السركال» بمعارض فنية، وعروض موسيقية مباشرة، وأفلام، وورش عمل، ومسارات مخصصة للأطفال، إضافة إلى أطباق فنية من مطابخ محلية وعالمية.
واحتضن الأسبوع الفني، الذي امتد بين 13 و20 أبريل، أكثر من 15 معرضاً، وتركيبات فنية عامة، ومحادثات، وعروض أداء، مغمورة بسؤال الهوية والانتماء والتحول، ليغدو السركال أفينيو نبضاً حضرياً، وفضاء تتلاقى فيه الأفكار، وتتشكل فيه التجارب، ويتحرر فيه الإبداع من كل حدود.
وتألّقت دبي كمنصة نابضة بالثقافة، حيث ازدهر الاقتصاد الإبداعي على أرضها، بفضل رؤية «دبي للثقافة»، وبدعم لوجستي من «براند دبي»، الذراع الإبداعية للمكتب الإعلامي لحكومة دبي.
وانطلق العام بإعلان موسم دبي الفني 2025، حاملاً أكثر من 200 فعالية وثقافية وفنية، وتضمّن الموسم دورات من السينما والرواية، والتصوير والفن التشكيلي، إضافة إلى مهرجانات محلية، مثل مهرجان القوز للفنون، ومهرجان سكة للفنون والتصميم، وصولاً إلى «آرت دبي 2025»، الذي جمع فنّانين عالميين ومحليين، مع ورش عمل وحوارات شكلت جسراً بين الثقافة والإبداع الاقتصادي.
منبر إبداعي
وفي مشهد ريادي للاقتصاد الإبداعي، احتضنت دبي الدورة الثالثة منتدى القوز للريادة الإبداعية، الذي تحول إلى منبر سنوي لرواد الأعمال والمبدعين، وجمع مصممين وفنّانين ومحتوى رقمياً ومستثمرين، مع ورش عمل وجلسات تواصل، بينما منحت مبادرة المسابقة التابعة له، جوائز لثلاثة رواد أفكار، ترتبط بالتراث والابتكار، لتعزيز تحويل الإبداع إلى مشاريع واقعية منتجة.
على صعيد آخر، لعب «براند دبي» دوراً محورياً، من خلال إطلاق حملة العيد في دبي، التي جمعت احتفالات اجتماعية وثقافية وترفيهية في العيد، في تناغم كامل مع هوية الإمارة، وقيمها المجتمعية، ما أعاد تشكيل تجربة العيد كمنصة للإبداع الجماعي والمشاركة المجتمعية.
وأضحت دبي محطة لافتة في خريطة النشاط المتحفي، ليس باحتضان «آيكوم دبي 2025» فقط، بل أشرق المشهد الثقافي في متاحف دبي بلحظات من الإلهام والإشعاع، حاملاً معه روح الابتكار والانتماء، لتصبح متاحف دبي محطات فكرية وفنية، ومنصات للحوار والاستكشاف وإعادة صياغة التراث في إطار من الحداثة. كما شهد عام 2025 ميلاد صرح جديد، يضيء خريطة الفن في المدينة:
متحف دبي للفنون، الذي يطفو على مياه خور دبي، ويمتاز بتصميم معماري فريد، ويستوعب مع الأعمال الفنية مكتبة، وقاعات تعليم، ومعارض مؤقّتة، ومطاعم وأجنحة للضيوف، في تكامل يعبّر عن رؤية دبي عاصمة الإبداع والثقافة.
وفي قلب حيّ الشندغة العتيق، كتب مهرجان دبي للفنون الأدائية الشبابية فصلاً جديداً من فصول الإبداع، لتحتضن منصته النجوم الصاعدين من شباب الإمارات والمقيمين في مجالات المسرح والموسيقى والفنون الشعبية، إذ انطلقت عروض تبعث الحياة على خشبة المسرح في دبي، أهمها:
«الهوى غرام»، «سائر»، «صانع الدُّمى»، «ليلة مقتل تشيخوف»، «العارف لا يعرف»، كما أطلّت أصوات طربية ومقطوعات موسيقية، جمعت بين التراث والتناغم مع إيقاع الحاضر.
ولم تقتصر قيمة المهرجان على العروض، بل توسعت لتقدّم فرصة للشباب ليثبت موهبته، وينطلق في مسار مهني، ضمن دعم يتجاوز الرفاهية، إلى بناء الإنسان والفن، وكرّمت هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، عبر المهرجان، رموزاً عميقة التأثير، أبرزهم:
أحمد الجسمي (شخصية العام المسرحية)، وعبيد علي (شخصية العام للفنون الشعبية)، وتالا بدري (شخصية العام الموسيقية)، عرفاناً بجهودهم في إثراء المشهد الثقافي المحلي.
منارة الثقافة والمعرفة
تألقت مكتبة محمد بن راشد، خلال قمة دبي للمكتبات والنشر 2025، لتعزز مكانتها منارةً للثقافة والمعرفة، ومسرحاً لإشعاع الفكر والإبداع، وجمعت نخبة من دور النشر والمثقفين وصنّاع القرار الثقافي، وشهدت سلسلة فعاليات غنية، تنوعت بين جلسات حوارية وورش عمل، بدت من خلالها المكتبة منصة حيوية لتبادل الأفكار، ورسم ملامح مستقبل القراءة والنشر في المنطقة.
وركّزت القمة على تعزيز دور المكتبات كمؤسسات حاضنة للإبداع والمعرفة، مع تسليط الضوء على الابتكار الرقمي في عالم النشر، إضافة إلى مبادرات تشجيع القراءة لدى الأجيال الشابة، الأمر الذي أدى إلى حصد تفاعل كبير من الزوار وأهل الثقافة، وأكد المكانة المرموقة لدبي كمركز ثقافي عالمي، يعانق الفكر، ويحتفي بالإبداع.