بحيث يتحول النص إلى مساحة للتأويل والتفكير، لا مجرد متابعة للأحداث، أي في هذا النوع من السرد، لا يكون النص هدفه الترفيه وحده، بقدر أن يصبح مجالاً لقراءة متعددة المستويات.
فالقارئ البسيط قد يتوقف عند ظاهر الحكاية، فيما القارئ المتأمل يكتشف تحت السطح شبكة من الرموز والمعاني التي تحاكي قضايا واقعية أو وجودية.. ومن هنا تكمن قوة السرد الرمزي: أنه يوسع مساحة النص ليجعله أفقاً للحوار مع التاريخ والفكر والواقع الاجتماعي.
هناك روايات أخرى كثيرة تستند أيضاً في سردها إلى الرمزية، مثل «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل، وهي رمزية الثورات وانحرافاتها، كما في الأدب العربي الحديث، يكتب نجيب محفوظ برمزية في «أولاد حارتنا»، حيث تصبح الحارة رمزاً للعالم الإنساني، وشخصياتها إشارات للأنبياء ومسيرة البشرية.
وكذلك رواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثي، ورموز التحول من التقليدية إلى الحداثة، ورواية «طروس إلى مولاي السلطان» لسارة الجروان، في حقيقتها لغة رمزية عالية عن التحولات بين الماضي والحاضر.
أما في الأدب الروسي فنجد عند دوستويفسكي حضوراً قوياً للرموز الدينية والفلسفية، حيث تتحول شخصياته في مجمل رواياته إلى نماذج للصراع بين الإيمان والشك، وبين الحرية والقدر.
بناء المعنى
وهو بهذا يعكس عمق العلاقة بين الأدب والفكر، إذ يثبت أن النص ليس مجرد قصة تُروى، بل فضاء للبحث والتأمل والمساءلة، ليعلمنا السرد الرمزي أن وراء الحكايات دوماً ما هو أبعد من الحكاية، وأن الأدب الحقيقي ليس مرآة سطحية للواقع، بل أداة لاختراق طبقاته وكشف جوهره، فالسرد الرمزي دعوة إلى القراءة الثانية، وإلى البحث عما وراء الكلمات، حيث تنبض الحياة الفكرية والفنية بأقصى قوتها.
