قدم الفنان والخطاط تاج السر حسن، أحد أبرز رواد الخط العربي في العالم، من خلال معرض «دوائر النور»، الذي أقيم في مكتبة محمد بن راشد مؤخراً، 26 لوحة فنية تحتفي بعالم الحروف وتمزج بين الأصالة وروح التجديد، وتتنوع بين التكوينات الدائرية المبتكرة والأشكال الهندسية المتجددة مثل المربعات والمثلثات، بالإضافة إلى لوحات مفتوحة تنبض بالحركة والحياة.

اختار الفنان أن يضم المعرض مجموعة من لوحاته الخطية الاستثنائية، التي توجز مسيرة خمسين عاماً من ممارسة الخط العربي. وأكد تاج السر حسن أن التقنية أثرت قيمة وجماليات فن الخط العربي.

وأضاف: «بالنسبة لي الخط عالم يتصل بنشأتي، فأنا سليل تعليم تقليدي، منذ الخامسة من عمري التحقت بـ«الكتاتيب»، وهي ما نسميها عندنا في السودان «الخلوة»، وفيها كانت بدايات التعلم التقليدي، وكانت الكتابة تتم على ألواح الخشب بقلم القصب، الذي هو قلم الخط.

وهذا التعليم لا يزال يمارس في السودان، بما يتعلق بالقرآن الكريم، وكذلك الأمر في غرب أفريقيا، وربما موريتانيا البلد الأشهر في هذا المجال».

وتابع: «نشأت في هذه البيئة التعليمية في السودان وفيها تفتحت عيناي على جماليات الخط العربي، ثم تدرجت في التعليم النظامي، وكان لدينا تعليم منظم جداً فيه تعلمت استخدام الريشة، وتعاملت مع الأدوات والمواد الحديثة، وواصلت تعليمي إلى أن دخلت كلية الفنون.

وبهذا بتّ أجمع بين الخط والرسم وقد اتسقت حياتي، وانتظمت في مجال الخط منذ الخامسة من عمري، وبذلك، يعني لي الخط العربي تراثاً ممتداً، غنياً، ولكنه ينطلق من أساس موحد، وهو تراث أصيل غير قابل للاندثار».

وحول التركيز العالمي والاهتمام الذي يحظى به الخط العربي، أكد الفنان تاج السر أن فن الخط العربي يوصف بأنه فن الفنون الإسلامية وبالطبع، هناك العمارة الإسلامية التي تحتوي أيضاً على كل الفنون.

ولكن الخط العربي يوصف بهذا، للأهمية التي أخذها في حضارتنا، منذ بدء جمع وتدوين القرآن الكريم، وقد ظهر في البداية بما يسمى الخط الحجازي، وعرف أيضاً بالمكي والمدني، وهذه تضافرت الخطوط كلها فيما بعد بما يسمى بالخط الكوفي.

وفي المحصلة نحن نتحدث عن هذا الخط، الذي نشأ منذ القرن الهجري الأول واستمر حتى يومنا هذا، ونحن اليوم في القرن الهجري الخامس عشر، حاملاً سماته وشكله الأصلي، مع أساليب حملت سمات كل عصر.

وأردف: «هناك بالطبع سمات خاصة للخط العربي، وتمنحه غنى في التشكل، فالكتابة العربية موصولة الأحرف في العموم، وهناك بعض الحروف مفصولة، مثل كلمة «وردة»، بينما كلمة «زهرة» تجمع بين الحالتين.

حيث فيها جزء موصول وجزء مفصول، أي أن لدينا المقاطع والحروف، وهذا خلق حالة فريدة، وأوجد غنى في الأساليب وإمكانيات رسم الخط، كما أن علينا أن نتذكر أنه بحكم أن القرآن الكريم محفوظ بهذا الخط، فإن ذلك خلق نوعاً من الحرص على رسم الحروف بطرق معينة، والعناية بإظهار جمالياتها، وطاقتها التكوينية المثلى.

وهذا كان ساعد كثيراً على إثراء الخط العربي، ولا ننسى أن الخط العربي ممارسة يدوية، مما يجعل منه مطواعاً، مفتوحاً على تشكيلات جديدة، وقابلاً للتشكل ضمن أساليب كثيرة دون أن يفقد شخصيته».

وأكد الفنان تاج السر أنه توجد العديد من الأنواع في الخط العربي، إلا أن الأساس واحد، مثلاً الخط الكوفي تشعب إلى خطوط كثيرة، ولكن الخط العربي حافظ على كيانه نفسه، كما لا يمكننا أن نغفل عن أن انتشار الإسلام ساعد في نشر الخط العربي وتعزيز حضوره على المستوى العالمي.

وهذا الانتشار السريع للإسلام شرقاً وغرباً، في بيئات ثقافية مختلفة، أوجد مساحة للمسات إضافية، ولكن الأساس هو واحد، كما كان الضابط واحداً كان القرآن الكريم، الذي يهتم به كل المسلمون على اختلاف ثقافاتهم وقومياتهم.

وبيّن تاج السر إلى أنه لا توجد أية محددات أو قيود على الخطاط في تعامله مع هذا الفن، قائلاً: «ليس هنالك أي حجر على التطوير والتحديث، ولكن هذه تظل أساليب لا تمس الأساس الراسخ للخط، فالكتابة العربية فيها إعجاز».

وحول ظهور الذكاء الاصطناعي، وما إذا سيسهم في الاستغناء عن يد الفنان أكد تاج السر: «طبعاً بالإمكان فعل ذلك، ولكن إذا خرجت النتيجة جيدة، ستكون فاقدة للروح، الأمر الآخر نحن من يستخدم التقنية ويطوعها، وليس العكس، وعليه فما هو متوقع هو أن نطوعها كأداة، لنصل بها إلى مستويات تخدم الفن والعلم وكل شيء».

وأضاف: «عليّ أن أقول إننا استفدنا من التقنية كثيراً، وهي أفادت الخط أكثر مما أضرت به، وأنا أرى أن الذكاء الاصطناعي يساعد، أبداً ليس هناك أي خوف منه، أو من تأثيره، إنه على الأقل يساعد في تسريع إنتاج العمل الفني، غير أنه في الآخر، دون الإحساس والروح يكون فاقداً للجماليات».