في رحلة مهنية تمتد لأكثر من خمسة عشر عاماً، استطاعت الكاتبة ومقدمة البودكاست الإماراتية شيما المسلمي أن ترسم لنفسها مساراً متفرّداً يجمع بين القيادة والإبداع والمعرفة، فمن قاعات حكومة دبي.

حيث صقلت مهاراتها القيادية، إلى مقاعد الجامعات العالمية التي منحتها أدوات الانفتاح والتجديد، وصولاً إلى فضاءات الكتابة وصناعة المحتوى التي جعلتها صوتاً مُلهماً لجيلٍ يبحث عن وعي مختلف. وتعكس مسيرة شيما إصراراً على التعلم، وشغفاً بصناعة الأثر، ورغبةً في تحويل التجربة الشخصية إلى مصدر إلهام للآخرين.

ولعل أبرز محطاتها الأدبية كان إصدارها الأول «عزيزتي البيركن»، وهو كتاب يعكس رحلة المصالحة مع الذات والوعي بالعلاقات الإنسانية، حيث مزجت فيه بين رموز الحياة العصرية ورسائل عميقة تلامس القارئ وتدعوه للتأمل وإعادة النظر في قيمه وتجربته الخاصة.

وقالت شيما المسلمي: «العمل في حكومة دبي بمنزلة مدرسة حياتية ومهنية متكاملة، حيث يتوفر بيئة مبتكرة علّمتني كيف أوفّق بين الانضباط المؤسسي والقدرة على التجديد والإبداع. هذه التجربة صقلت شخصيتي كقائدة، وطورت مهاراتي في التعامل مع الناس، وفهم السياسات، وصناعة القرار، وفي الوقت نفسه غرست بداخلي قيمة أن القيادة الحقيقية تبدأ من خدمة الآخرين».

وتابعت: «أؤمن أن التعلم رحلة لا تتوقف. وكل محطة أكاديمية أو تدريبية أخذتها كانت بمنزلة حجر جديد في بناء شخصيتي. دراستي في الخارج علّمتني الانفتاح على الثقافات الأخرى وتقبل الفروقات بين الآخرين وأن الإنسان يبقى إنساناً مهما اختلف دينه وعرقه ومذهبه، أما دراساتي في الابتكار والسياسات العامة والكوتشينغ فكانت امتداداً لشغفي بأن أكون عنصر تغيير إيجابياً في المجتمع.

التطوير المستمر بالنسبة لي ليس خياراً، بل أسلوب حياة. وقد قررت في هذه المرحلة العمرية بأن أدرس ما أحب، لأجل نفسي بمعنى أنني لم أعد أجبر نفسي على دراسة شيء لمجرد أنه قد يخدمني مهنياً.

فبدأت باتخاذ قرارات مختلفة، فحصلت قبل فترة على دبلوم علم النفس الجنائي، بهدف أن أوسع مداركي للاستعداد لبداية رواية جديدة، كما أنهيت أخيراً برنامج صانع المحتوى التابع لأكاديمية الإعلام الجديد والذي خدمني في بناء لبنة قوية في مستقبلي القادم كوني صانعة محتوى هادف على وسائل التواصل الاجتماعي».

وعن حبها الكتابة منذ الصغر، قالت شيما: «الكتابة بالنسبة لي مساحة تنفس، ووسيلة لترتيب الأفكار والمشاعر و(عزيزتي البيركن) لم يكن مجرد كتاب، بل انعكاس لرحلتي مع الذات والعلاقات والوعي.

أردت من خلاله أن أقول للقراء: كل واحد فينا يملك قصته الخاصة، ومهما بدت بسيطة قد تحمل رسائل عميقة للآخرين. رسالتي كانت أن نتصالح مع أنفسنا ونرى الحياة بوعي أكبر».

وأضافت: «في كل مرة كنت أكتب سطراً في الكتاب كنت أشعر بسعادة غريبة، وكأنني أرى حلمي يتحقق أمامي. هذه التجربة علّمتني أن ما يخبئه الله لنا أعظم بكثير مما نتمنى، وأن لا شيء مستحيل، وأن الحلم سيتحقق ولو بعد حين، في التوقيت المناسب وبالطريقة التي تليق بنا.

وبالفعل ها أنا ذا أعيش حلمي اليوم، لكن بوعي أعمق ونضج أكبر، لأدرك أن قيمة الحلم ليست فقط في الوصول إليه.. بل في الرحلة التي تصنعك وأنت تسعى نحوه».

الأصالة والمعاصرة

وعن مزجها في الأعمال بين القيم الأصيلة والروح المعاصرة، قالت شيما: «أنا مؤمنة أن الأصالة لا تتناقض مع المعاصرة، بل تكملها. أحاول أن أكون جسراً بين الاثنين:

أحافظ على جذوري وقيمي وهويتي الإماراتية، وفي الوقت نفسه أنفتح على العالم وأساليبه الحديثة. التوازن يتحقق حين نكون واثقين من هويتنا، لأن الهوية القوية قادرة على استيعاب التغيير بدلاً عن الذوبان فيه».

وعن توجهها لصناعة المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قالت شيما: «وسائل التواصل اليوم أصبحت المنبر الأسرع للوصول إلى الناس. اخترت أن أشارك رحلتي وتجربتي في الكتابة والقيادة والتنمية البشرية، لأني مؤمنة أن كل فكرة قد تغيّر حياة شخص ما.

هدفي من صناعة المحتوى أن أخلق مساحة للإلهام والتفكير، وأن أقرّب المفاهيم الكبيرة مثل التنمية والوعي بطريقة بسيطة وواقعية، وأن أساهم في صناعة مجتمع أكثر وعيًا واتزانًا.

ما حفّزني على هذه الخطوة هو تشجيع الناس لي وتقبّلهم الكبير، ذلك الدعم الذي انعكس في رسائل تصلني بشكل مستمر من متابعين يخبرونني كيف أثّرت كلماتي فيهم، أو كيف أعادت لهم الأمل، أو جعلتهم يرون حياتهم من زاوية مختلفة. هذه الرسائل بالنسبة لي هي الوقود الحقيقي للاستمرارية، وهي ما تجعلني أؤمن أن صناعة المحتوى ليست مجرد ترفيه.. بل مسؤولية ورسالة».

مسارات متعددة

وعن خوضها مسارات متعددة بين الدراسة والعمل والإبداع وما الرسائل التي توجهها للشباب، قالت شيما: «رسالتي لهم: لا تخافوا من التجربة، فالنجاح ليس خطاً مستقيماً، بل محطات من محاولات وفي كثير من الأحيان يمكننا أن نتعثر فيها.

ولكن الجرأة في اتخاذ القرار والسعي لتحقيق الحلم هما حجر الأساس. والأهم أن نكون صادقين مع أنفسنا، وأن نؤمن أن لكل واحد منّا بصمته الخاصة. الإمارات اليوم تعطي فرص عظيمة للشباب، والفرق الحقيقي يصنعه من يستغل هذه الفرص ويحوّلها لنجاحات حقيقية.

ولا يوجد مكان للمستحيل في قاموس الناجحين، واجه تحدياتك واصنع مستقبلك واجعل نيتك صافية وخالصة لله، وكن معه، فمن كان مع الله وجد التوفيق والقبول والنجاح في أصغر أمور حياته قبل أكبرها».

وعن اختيارها «عزيزتي البيركن» عنواناً لأول كتاب لها، قالت: «اخترت العنوان لأنه يجمع بين رمز من رموز الحياة العصرية (البيركن)، وبين رسائل عميقة مرتبطة بالوعي والعلاقات الإنسانية.

الكتاب بالنسبة لي لم يكن مجرد عمل أدبي، بل كان أشبه برسالة شخصية لكل قارئ؛ فهو يعكس قصة مذكورة بين طيات الكتاب، تتحدث عن الصديقين خالد وراشد، ويقوم راشد بنصح صديقه وضرب التشبيه في (البيركن).

فالبيركن هنا تشكلك أنت كإنسان، ففي العلامات التجارية الراقية، هناك أنواع من القطع النادرة التي لا يمكن أن تجدها عند أيٍّ كان، وكي تحصل عليها، فعليك أن تفتح ملفاً خاصاً بك عند هذه الماركة، وأن تستمر في الشراء منها، وأن تبني علاقات مع المسؤولين في هذا المتجر.

وبعد كل هذا العناء، ستتمكن من الحصول على (البيركن)، فكيف يمكن للإنسان أن يكون ذلك النجم الساطع الذي يطمح الجميع لرؤيته والحصول عليه في حياته، بشخصيته (الكاريزما) العالية، وحسن خلقه، وأثره الطيب الذي يتركه في القلوب بالمواقف والأفعال التي تخلد دوره ووجوده في الحياة. فالقيمة الحقيقية لا تكمن فيما نملك، بل في ما نصبح عليه.. في رحلتنا لبناء ذات تُلهم، وتترك وراءها بصمة لا تُشترى ولا تُقلَّد».