تشكل المهرجانات الثقافية في دبي محطات بارزة تعكس هوية المدينة وتفتح آفاقها أمام العالم، فهي لا تقتصر على كونها فعاليات موسمية، بل تتحول إلى ذاكرة جماعية للأجيال، وفضاءات حية للحوار والإبداع.
وفي استطلاع أجرته «البيان»، شارك عدد من الكتاب والفنانين بآرائهم وتجاربهم حول دور هذه المهرجانات في صياغة المشهد الثقافي وتعزيز حضور دبي على الخريطة الإبداعية، مؤكدين أن المهرجانات الثقافية في دبي أصبحت نقاط جذب سياحي تحمل قيماً أصيلة.
يشير القيّم الفني ناصر عبدالله، إلى أن المهرجانات الثقافية اليوم تعد إحدى أهم الأدوات لترسيخ حضور الثقافة في الحياة العامة، فهي تخرجها من نطاق المؤسسات الأكاديمية والمتخصصة لتصل إلى جمهور أوسع عبر برامج تفاعلية وفعاليات متنوعة.
ويؤكد أن هذه المهرجانات لا تقتصر على كونها منصات للاحتفاء بالفنون، بل تتحول إلى فضاءات مفتوحة للحوار وتبادل الأفكار بين المثقف والجمهور، بما يعزز قيم المشاركة المجتمعية ويمنح الثقافة دورها الطبيعي في تشكيل الوعي الجمعي.
ويقول: إن ما يميزها هو قدرتها على كسر الحواجز بين المثقف والمتلقي، إذ تتيح للأول فرصة الخروج من الإطار الضيق للدوائر الأكاديمية، وتمكنه من إيصال رسالته إلى المجتمع بطرق أكثر حيوية وواقعية.
وفي زمن طغت فيه العوالم الافتراضية على حساب التواصل المباشر، تصبح هذه اللقاءات الثقافية رداً عملياً على ذلك التحدي، ومختبراً حياً لتبادل الخبرات بين المثقفين المحليين ونظرائهم من مختلف أنحاء العالم.
وهكذا تترسخ التجربة في الذاكرة الثقافية للمشاركين وتنعكس في أعمالهم المستقبلية، لتجعل من دبي جزءاً أصيلاً من ذاكرة المبدعين، ورافعة استراتيجية لصياغة هويتها الثقافية وتعزيز حضورها إقليمياً ودولياً.
أما الكاتبة منى الشامسي، فترى أن المهرجانات الثقافية المتنوعة التي احتضنتها دبي عبر السنوات أسهمت في رسم ملامح المشهد الثقافي للمدينة، وجعلت الثقافة جسراً للتواصل البناء بين الإمارات ومختلف ثقافات العالم.
وتوضح أن هذه الفعاليات تحولت مع الوقت إلى محرك حيوي للاقتصاد الإبداعي، من خلال الاستثمار في المواهب وطرح المبادرات التي تكتشف الموهوبين وتشجع على التعاون بين المؤسسات العامة والخاصة، بما يهيئ بيئة مثالية للإبداع والابتكار.
وتضيف: إن نجاح بعض المهرجانات في أن تصبح نقاط جذب سياحي يعكس قدرة دبي على تقديم الثقافة قوة ناعمة، تحمل قيماً أصيلة وتقدم صورة مشرفة للدولة أمام العالم، قائمة على الانفتاح والتسامح والوعي الإيجابي.
طاقة متجددة
وتصف خريجة الفنون والصناعات الإبداعية ميرة البستكي، وهي متخصصة في التسويق والجرافيك دايزاين وتملك أعمالاً فنية خاصة، بأن المهرجانات الثقافية مساحة أوسع من مجرد حضور عروض أو معارض، فهي بالنسبة لها فرصة للتنفس الفني بكل أشكاله.
وتوضح أن ما يدفعها للعودة في كل دورة هو شعورها بأنها ستكتشف شيئاً جديداً، سواء فكرة أم أسلوباً أم حتى حواراً بسيطاً مع شخص ملهم يفتح أمامها آفاقاً جديدة. وتقول: إن الطاقة الإبداعية المتجددة التي تمنحها هذه اللقاءات تجعلها جزءاً من مجتمع حي مليء بالشغف والتنوع.
وتؤكد أن هذه التجارب جعلت الفن بالنسبة لها جزءاً يومياً من الحياة، فهي ترى المدينة وألوانها وعمارتها وحتى تفاصيلها اليومية بعمق أكبر، وتحولت الكثير من الأفكار التي خرجت بها من هذه الفعاليات إلى مشاريع فنية وتجارب بصرية جديدة. بالنسبة لها، ليست المهرجانات مجرد مناسبات سنوية، بل محطات تلهمها وتدفعها للجرأة في التعبير عن ذاتها، وتجعل من دبي فضاءً حياً يفتح أبواب الحوار أمام الفنانين لترك بصمتهم في ذاكرة المدينة المتجددة.
الفن أسلوب حياة
وترى خريجة الفنون والصناعات الإبداعية علياء شرفي، وهي متخصصة في الرسم والخزف والأعمال المنسوجة، أن سر الحماس المتجدد للمشاركة يكمن في المجتمع الذي يتكون حول هذه المهرجانات، وما يحمله من طاقة إيجابية وشعور بالانتماء إلى عائلة واحدة.
وتوضح أن أجواء هذه اللقاءات تمنحها شعوراً بالفخر، خصوصاً حين تستلهم الإبداع من الطاقات المبدعة المحلية، وهو ما يجعل التجربة مميزة وملهمة في كل مرة.
وتقول: إن هذه المشاركات عمقت ارتباطها بالفن، وجعلته أسلوب حياة يومياً. فهي أصبحت تنظر إلى التفاصيل الصغيرة بعين فنية وتستمد منها إلهاماً جديداً لأعمالها، كما منحتها المهرجانات مساحة للتأمل والتجريب، لتجعل الفن جزءاً من روتينها وطريقتها في التواصل مع المجتمع.