ورغم مرور كل هذه المدة على رحيله إلا أن حضوره ما زال طاغياً، سواء من خلال أعماله الأدبية التي ما زالت تُدرّس وتُترجم وتُقرأ على نطاق واسع، أو عبر الأعمال الفنية المأخوذة عن رواياته، والتي جسّدت ملامح مصر الشعبية والفكرية والإنسانية.
ما تركه محفوظ لم يكن مجرد روايات، بل كان عالماً متكاملاً من الشخصيات والرموز والفضاءات التي ما زالت حاضرة في ذاكرة المتلقي العربي. بل أصبح رمزاً يتجدد حضوره في كل قراءة جديدة، ليثبت أن الأدب الحقيقي لا يموت بمرور الزمن.. ليبقى التساؤل:
ما الذي تبقى من أدب نجيب محفوظ؟ ويقول الروائي حمدي عابدين، إن نجيب محفوظ هو عالم قائم بذاته، فهو الذي صاغ من رسمه الشخصيات البسيطة أفكاراً ورؤى شديدة العمق. ويضيف في تصريحات لـ «البيان»:
«لننظر مثلاً لشخصية الموظف في روايته حضرة المحترم، هذا الذي يقدّس عمله ويبحث عن حلم الترقي من خلال السعي الدؤوب ليبلغ أعلى درجات السلم الوظيفي، يراهن فقط على سنوات عمره والتزامه، هناك من فسرها بأنه يهاجم البيروقراطية.
وهناك من اعتبرها سخرية من موظف بعينه يعرفه محفوظ، لكن أياً كان منبع القصة، فإنها تظل ترفع من فكرة الالتزام وتحقيق الذات والسعادة في أبسط الأشياء».
أما الكاتبة الأردنية سارة السهيل فتعتبر أن نجيب محفوظ مدرسة قائمة بذاتها، ليس فقط في تقنيات السرد وبناء الشخصيات، بل أيضاً في قدرته على جعل الرواية العربية معبراً للحكمة والفلسفة والوعي.
وتقول: «محفوظ هو الكاتب الذي لم يكتب للمكان وحده، بل للإنسان في كل مكان، لأنه حوّل تفاصيل الحارة المصرية إلى رموز إنسانية». وتضيف: «إن نجيب محفوظ لم يكتب رواية فحسب، بل كتب وجدان الإنسان المصري والعربي بكل تناقضاته وأحلامه وآلامه. لذلك سيبقى خالداً في ذاكرة القراء مهما تغير الزمن».
