الإيحاء والخداع البصري وتعدد أساليب العرض.. كلها عناصر فنية تميز بها فن الرسوم المتحركة، الذي لم يعد مقتصراً على مشاهدات الصغار، بل بات أحد ألوان الخطاب الثقافي الذي يعمل على توصيل الفكرة إلى عقلية المتلقي بمهارة وإبداع، واستطاع رواد هذا الفن في دبي، الارتقاء بها إلى مصافات نوعية متميزة، مستفيدين من البيئة الابداعية المحفزة والقدرة على توظيف إمكانات الذكاء الاصطناعي في تكثيف تلك الروعة الفنية، بشكل خلاق.

ففي إطار جهودها لدعم المواهب الناشئة أطلقت هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» برنامج «حركات سكة»، أحد البرامج التدريبية المتخصصة ضمن منصة «سكة»، الذي يحتضنه حي الشندغة التاريخي خلال الفترة من 18 أغسطس الجاري إلى 26 سبتمبر المقبل، ويستهدف تطوير مهارات المبدعين في فنون التحريك القصير (ستوب موشن) ورواية القصص البصرية.

نافذة على الثقافة

وفي هذا السياق أوضح الفنان والمخرج بوبكر بوخاري، لـ«البيان»، أن فن الرسوم المتحركة بالنسبة إليه ليس مجرد تقنية، بل هو رحلة إبداعية كاملة، فيها الكثير من الحِرفة، والخيال، والبحث عن الصدق في الحكاية، وأنه نافذة نطل منها على أنفسنا وثقافتنا، ووسيلة نشارك بها خيالنا مع العالم، مشيراً إلى أبرز الجوانب المعرفية والفنية التي تستهدفها ورشة «حركات سكة.. تحريك القصص: رحلة في عالم السرد البصري».

وقال: «حركات سكة» ليست ورشة تعليم تحريك فقط، بل هي مساحة آمنة للتجربة والاكتشاف.

نبدأ من مرحلة ما قبل الإنتاج، حيث تنبت الفكرة وتتشكل القصة والشخصيات والخلفيات، ونصوغها بلغة سينمائية تخدم النص».

وأضاف: «نكتشف أهمية الستوري بورد والأنيماتيك لنرى الفيلم قبل إنتاجه ونخطط لمدته وتكلفته.

وفي مراحل لاحقة، نلمس عملياً ما بعد الإنتاج والتوزيع»، لافتاً إلى أن الأهم بالنسبة إليه أن يدرك المشاركون أن التحريك يمكن أن يكون أداة للتعبير عن الذات والموروث الثقافي.

تطور مذهل

واستعرض بوخاري جانباً من تطور تقنيات الرسوم المتحركة مع الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن التطور مذهل، وأن الذكاء الاصطناعي صار أداة قوية لإنجاز بعض المهام، وأنه يستخدمه، لكن لا يسمح له أن يرسم أو يبتكر القصة بدلاً منه؛ لأن أغلب قصصه شخصية أو مستوحاة من بيئته، وهذا ما يجعلها أكثر صدقاً، لكن المشكلة ليست أن الآلة بدأت تفكر مثل الإنسان، بل أن يخسر الإنسان قدرته على الإبداع ويبدأ في التفكير مثل الآلة.

ولفت إلى أن التقنيات الحديثة في عالم الرسوم المتحركة رفعت الجودة وقللت التكاليف وسرعت الإنتاج في قطاع السينما، لكنها جلبت معها تحديات جديدة، مثل تصنيف الأفلام المنتَجة بالذكاء الاصطناعي، موضحاً أن كثيراً من المهرجانات تضعها في فئة خاصة حتى تظل المنافسة عادلة.

لغة عالمية

وبشأن مدى قدرة فن الرسوم المتحركة على مخاطبة الجمهور على اختلاف ثقافاته، قال بوخاري: «بالتأكيد، فالتحريك لغة عالمية تتجاوز الحدود، تخاطب خيال الكبار والصغار على حد سواء، والإحصائيات العالمية تثبت ذلك».

وذكر أنه خلال توزيع فيلمه الأخير الذي تم اختياره في أكثر من 60 مهرجاناً عالمياً، لاحظ غياباً شبه كامل للأفلام التحريكية العربية عن المنافسات، مبيناً أن هذا يؤكد حاجتنا إلى مزيد من مثل هذه المبادرات لدعم الإنتاج المحلي وتكوين المبدعين.