يجمع الفنان والمهندس المعماري خالد البنا بين الحس البنائي والخيال التعبيري، في تجربة فنية تتقاطع فيها العمارة مع الفن التشكيلي.

من معرضه الأخير في «مرايا» إلى تصميم الأثاث والمجسمات العامة، يمضي في مشروعه الفني بسعي دائم لإعادة تشكيل العلاقة بين الشكل والمعنى، في هذا الاستطلاع الذي أجرته صحيفة «البيان»، يحدثنا البنا عن رؤيته الفنية، وتجاربه المتنوعة، وتفاصيل مشاريعه المقبلة.

كَوني مهندساً معمارياً وفناناً، لطالما شعرت أن هناك خيطاً غير مرئي يربط بين العمارة والفن التشكيلي. الخلفية المعمارية منحتني حساً عالياً بالبناء، بالتوازن، وبالفراغ لا باعتباره مساحة فحسب، بل كعنصر تعبيري يسهم في بناء المعنى داخل العمل الفني. عندما أعمل على لوحة أو مجسّم، أتعامل مع الكتلة والخط والظل كما لو كنت أتعامل مع مشروع معماري، لكن دون القيود الوظيفية أو التقنية.

العمارة علم له قوانينه، أما الفن فمساحته أوسع للتأمل والتعبير، لكن كلاهما يلتقيان في نقطة التصميم، وفي فهم الفضاء، وفي البحث عن الجمال والمعنى.

في أعمالي النحتية مثلاً، أستوحي كثيراً من عناصر البناء والأشكال الهندسية، تكرار الوحدات، وحتى المواد الخام. هذه الخلفية المعمارية تمنحني رؤية تركيبية، بينما يمنحني الفن الحرية لكسرها أو إعادة تفسيرها.

نعم، أؤمن تماماً أن العمارة والفن يتقاطعان في الرؤية، في الشكل، وفي الغاية أحياناً. كلاهما يسعى لصنع أثر، لخلق حوار مع المكان والناس، وكلاهما لا يُفهم فقط بالبصر، بل بالإحساس.

قدمتَ مؤخراً معرضاً لافتاً في «مرايا» تضمن أعمالاً نحتية قوية، حدثنا عن هذه التجربة: ما الفكرة التي انطلقت منها؟ وما الذي أردت أن تقوله من خلالها؟

معرضي في «مركز مرايا للفنون» كان تجربة فنية عميقة، انطلقت فيها من فكرة «الهوية في تحولاتها البصرية»، وحاولت من خلال الأعمال النحتية التعبير عن الصراع بين الثبات والتحول، وبين البنية والانسياب.

المعرض يعكس حالتي الفنية كمعماري أحاول من خلالها تطبيق مبادئ العمارة في الفن التشكيلي، وفي الوقت ذاته كسر القوانين الصارمة للهندسة المعمارية، من خلال تكوينات حرّة تنفلت من قيود الخطوط والزوايا، وتُعبّر عن الذات بحرية تشكيلية كاملة.

بالنسبة لي، هذا المعرض لم يكن فقط عرضاً لأعمال نحتية، بل دمجاً واعياً بين العمارة والفن، حيث يلتقي المنطق البنائي بالخيال التعبيري، ويصبح الشكل أداة تأمل في الهوية، والتكوين، والزمن.

اشتغلت في مجالات متقاطعة مع الفن مثل تصميم الأثاث والملابس والمنتجات، ما الذي يجذبك في هذه التجارب؟ وهل تراها امتداداً لمشروعك الفني أم مساراً موازياً؟

عملت على عدة مشاريع فنية بالتعاون مع شركات في مجالات متنوعة، من بينها تصميم الساعات، والأثاث، والملابس، حيث سعيت من خلالها إلى دمج الفن في المنتجات اليومية، وإضفاء طابع بصري وفكري يعكس رؤيتي الفنية.

اشتغالي في هذه المجالات نابع من إيماني بأن الفن لا يقتصر على المعارض والصالات، بل يمكنه أن يتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية. ما يجذبني في هذه التجارب هو إمكانية تحويل الفكرة الجمالية إلى شيء ملموس، يستخدم ويلمس ويتفاعل معه الناس.

لا أراها مسارات موازية، بل أعتبرها امتداداً طبيعياً لمشروعي الفني. فهي تتيح لي استكشاف الخامة، والوظيفة، والهوية من زوايا جديدة، وتمنحني أدوات إضافية للتعبير، دون أن أفقد ارتباطي بجوهر الفن.

في أعمالك نلمس حساً تصميمياً مدروساً يتجاوز التشكيل البصري إلى البُعد التركيبي، كيف تصيغ رؤيتك للعمل الفني؟ ومتى تعرف أن العمل «اكتمل»؟

بالنسبة لي، العمل الفني ليس مجرد تركيب بصري، بل هو بناء فكري وحسّي تتداخل فيه العلاقات بين الشكل والمحتوى، الكتلة والفراغ، الإحساس والإدراك. تؤثر خلفيتي المعمارية بشكل مباشر في صياغة العمل؛ إذ أتعامل معه كمنظومة متكاملة، أبحث داخلها عن التوازن، وعن علاقة مدروسة بين الأجزاء، بحيث يتكامل كل عنصر مع الآخر دون أن يطغى عليه.

الرؤية تبدأ دائماً بفكرة، لكنها لا تُحسم على الورق، بل تنضج وتتطور أثناء الممارسة. أحياناً أنطلق من تصور واضح، لكن التنفيذ يكشف عن تحولات غير متوقعة، ويبدأ العمل في فرض شروطه الخاصة.

أما لحظة الاكتمال، فهي ليست لحظة حاسمة بقدر ما هي إحساس داخلي بالسكينة؛ شعور بأن العمل لم يعد يطلب شيئاً إضافياً، وأن كل عنصر يؤدي وظيفته في انسجام تام. أدرك أنني وصلت إلى هذه النقطة حين يتوقف القلق ويبدأ الصمت.

ما أبرز مشاريعك المقبلة؟ وهل هناك معرض أو تعاون جديد تعمل عليه حالياً؟

لدي حالياً مجموعة من المشاريع الفنية المهمة التي أعمل عليها. من أبرزها المشاركة في معرض سوثبي بالتعاون مع جاليري عائشة العبار، إضافة إلى مشاركتي في «آرت أبوظبي».

كما أعمل على مشروع نحت مجسم ضخم بارتفاع 4 أمتار في أبوظبي ليكون جزءاً من مبادرة الفن العام، وهو مشروع يحمل قيمة خاصة لارتباطه بالحوار مع الفضاء الحضري والجمهور.

كذلك لدي مشروع لإنجاز ثلاثة مجسمات فنية مخصصة للمشروع الجديد في الشارقة «المقر 39».

وعلى صعيد المعارض الفردية، أُحضّر حالياً لمعرض شخصي مقبل في «إكسبو دبي»، سيكون بمثابة محطة مهمة لعرض أحدث أعمالي وتوجهاتي الفنية.