يعد العام الحالي، عاماً حيوياً ومهماً في التأريخ لمسيرة وبدايات الصحافة في دبي، وخاصة بالنسبة لصحيفة «البيان». فقبل ستين عاماً، تحديداً في العام 1965، أطلقت بلدية دبي أول مجلة تصدر عن الإمارة، المعروفة بـ«أخبار دبي»، ومثلت مشروعاً طموحاً أحدث حراكاً ثقافياً وتنموياً اقتصادياً وفكرياً واجتماعياً، نوعياً في دبي. ومن ثم، توقفت المجلة في العام 1980، وسلمت رسالتها الإعلامية التنويرية لصحيفة «البيان».

دور تنويري

صدرت «أخبار دبي» أسبوعياً، وكانت من أوائل المجلات التي أدخلت الألوان في الصحافة المحلية، وكانت بمثابة منبر للأدباء والكتاب في الإمارات، واضطلعت طوال فترة صدورها، التي امتدت على مدار 15 عاماً، بدورها التنويري، ونقل أحدث الأخبار المحلية والإقليمية والدولية، ومثلت منصة إعلامية تعكس وجه دبي الحضاري والاقتصادي والاجتماعي.

وهي بهذا تمثل مرحلة جوهرية في تاريخ الإعلام في دبي ودولة الإمارات، وجزءاً أساسياً من الأرشيف والتراث الثقافي الإماراتي، استحق لأهميته الفائقة عناية واهتمام الجهات المعنية.

حيث تولت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بالتعاون مع هيئة دبي للثقافة والفنون «دبي للثقافة»، مشروع أرشفة مجلة «أخبار دبي» إلكترونياً، بالشراكة مع بلدية دبي، وغرفة صناعة وتجارة دبي، وصحيفة «البيان»، وندوة الثقافة والعلوم.

تاريخ مجيد

تروي سيرة مجلة «أخبار دبي» قصة نشوء وتطور العمل والنهج الإعلاميين في دبي، وتعكس دور الإمارة في الريادة الإعلامية وترسيخ وتأصيل الصحافة المقروءة في الدولة، فقد جاء الوميض الأول لفكرة المجلة من بلدية دبي.

حيث تذكر المصادر أن البداية كانت حينما فكر أمين صقر من بلدية دبي في إصدار نشرة من صفحتين، تصدر كل شهر لتضم التقرير الشهري للبلدية. ثم تطور الأمر بعد ذلك مع كمال حمزة، الذي كان يعمل مديراً للبلدية حينذاك ليسهم في تطويرها.

واستقطب هذا المشروع مزيداً من رواد العمل البلدي والصحفي، فانضم إلى كادر النشر بعد ذلك إبراهيم أحمد، الذي كان يساعد في جمع موادها التحريرية، ثم انضم إلى أسرة تحريرها ربحي جمعة حلوم. وفي هذه المرحلة توسعت النشرة.

وتجاوزت أخبار البلدية إلى أخبار الإمارة عموماً، واعتنت بأخبار المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، كما اهتمت بنشر المراسيم التي يصدرها ديوان الحاكم.

نقلة نوعية

شهدت المجلة قفزة نوعية مع تولي الأديب والكاتب عبدالغفار حسين مسؤوليتها حين عمل نائباً لمدير بلدية دبي، فوصفت المبادرات التي أطلقها في سبيل تطوير المجلة بـ«الثورة الصحافية»، حيث أخذت الشكل الرسمي للمجلة المطبوعة، مستخدمة الورق المصقول الملون، وسميت «أخبار دبي».

حشر بن مكتوم

وفي نقلة نوعية جاء تشكيل دائرة الإعلام التابعة لبلدية دبي، حينذاك، برئاسة سمو الشيخ حشر بن مكتوم بن جمعة آل مكتوم، رئيس مؤسسة دبي للإعلام، ليؤدي دوراً محورياً في تعزيز مكانة «أخبار دبي»، وتثبيت إصدارها الأسبوعي، لتتجاوز تغطيتها الإخبارية إمارة دبي والإمارات الأخرى في الدولة، فراحت تشمل تغطية أخبار المنطقة العربية والعالم.

واقع صحافي

ومن أهم ما يعرف عن هذه المطبوعة الرائدة في دبي أنه قبل ظهورها كان الأدباء والكتاب مضطرين لإرسال مقالاتهم للنشر في مطبوعات خارج البلاد، مثل «مجلة البحرين» و«صوت البحرين» ومجلات وصحف لبنانية.

وقد تأرجحت مواعيد صدور المطبوعة طوال سنوات عمرها، التي امتدت حتى عام 1980، ما بين الأسبوعي ونصف الشهري، كما تولت إدارتها عدة جهات من أبرزها دائرة الإعلام في بلدية دبي.

مجلة شاملة

سرعان ما تحولت «أخبار دبي» إلى مجلة جامعة شاملة يعاد فيها نشر قصائد كثير من الشعراء العرب التي كانت تظهر في الصحف العربية إلى أن بدأ هؤلاء يرسلون أعمالهم بصورة مباشرة إليها.

كما أسهم معظم مثقفي دبي في الكتابة فيها، ومنهم: عبدالغفار حسين، بلال البدور، عبدالخالق عبدالله، أحمد أمين المدني، عبدالحميد أحمد، حميد الغيث، شعبان إسماعيل، وعلي عبيد الهاملي، الذي كان وقتها من أبرز الكتاب الشباب، وكان لا يزال على مقاعد الدراسة، فكان ينشر موضوعين أو ثلاثة في العدد الواحد من المجلة تحت مسميات مختلفة لضرورات تتعلق بأصول النشر.

منظور حضاري

تميزت صحافة دبي الأولى، ممثلة بـ«أخبار دبي»، بمنظور حضاري متقدم في موقفها من المرأة، إذ يسجل لها أنها رحبت بكتابات المرأة، ونشرت للكثيرات بالأسماء الصريحة، وكان للعديد من المثقفين والمثقفات والمدرسين العرب مساهمات بارزة على صفحات «أخبار دبي»، حيث يبرز على صفحاتها اسم الشاعرة الفلسطينية المعروفة فدوى طوقان.

والجدير بالذكر أن «أخبار دبي» كانت تطبع في مطبعة دبي، ويتم توزعها على نطاق واسع مقارنة بعدد السكان، وكانت أعدادها تنفد بالكامل من السوق.

مكانة خاصة

وأكد الدكتور عبدالخالق عبدالله أن استذكار صدور «أخبار دبي» يمثل اليوم احتفاء بدبي، التي تمتلك تجربة ستين عاماً من الريادة في الصحافة والإعلام، وصنع أرشيف وإرث إعلامي وثقافي.

وقال: لمجلة «أخبار دبي» مكانة خاصة لدي، كما لها مكانة خاصة لدى العديدين من الرعيل الأول من كتاب وأدباء الإمارات، فقد كانت بحق بمثابة المنصة التي احتضنت الولادة الأولى لمشروعهم في الكتابة. كما كانت الإطلالة الأولى للتواصل مع القارئ. وقد سبقت علاقتي بها العلاقة مع أي مطبوعة أخرى، لذلك فهي مغروسة في الذاكرة.

كتبت أول خاطرة في «أخبار دبي»، وكانت لي نافذة أسبوعية على صفحاتها. وعلى صفحاتها أيضاً فزت لأول مرة في حياتي بجائزة في واحدة من مسابقاتها. وكانت جائزتها عبارة عن 3 أشهر اشتراكاً مجانياً فيها.

وفي ختام حديثه، عبّر الدكتور عبدالخالق عبدالله عن شكره لـ«البيان»، التي تستذكر على صفحاتها اليوم هذه المناسبة العزيزة، التي تتصل بستين عاماً من ريادة دبي الإعلامية.

ذاكرة وصور

من جهته، قال الكاتب علي عبيد الهاملي، نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم بدبي: يصادف هذا العام مرور ستين عاماً على إصدار مجلة «أخبار دبي»، وحين أكتب «أخبار دبي»، أو أنطق اسمها، تتداعى إلى ذاكرتي صور كثيرة من طفولتي وصباي وبداياتي الأولى في مجال الكتابة.

فقد كانت النافذة الأولى التي أطللت من خلالها على عالم الكتابة والنشر، بل وأشعلت فيّ ذلك الشغف الذي لا يعرفه إلا من دخل هذا العالم عن حب وعشق وهواية تصل حد الغواية.

وأشار إلى أن صدور مجلة «أخبار دبي» كان البداية الحقيقية للصحافة المنتظمة في الإمارات، بعد سلسلة من الإصدارات الفردية المتقطعة، التي بدأت في منتصف عشرينيات القرن العشرين وحتى أوائل الستينيات منه، لتكون بذلك أول مطبوعة تصدر بانتظام، وتستمر 15 عاماً، قبل توقفها عن الصدور عام 1980 كي تحل مكانها صحيفة «البيان» اليومية.

صاحبة فضل

وأضاف الهاملي: إذا كان لمطبوعة ما في الإمارات فضل على الكُتّاب الذين ظهروا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي في مجال كتابة المقال والخاطرة والقصة القصيرة والشعر، وغيرها من فنون الكتابة، فهو لمجلة «أخبار دبي»، التي فتحت صفحاتها لكل المبدعين على مدى 15 عاماً من تاريخها.

وقد كان لي شرف الكتابة فيها، فكانت قصة «ضحية الطمع»، التي نشرتها فيها عام 1971 أول قصة قصيرة أكتبها، وتوالت بعدها قصص أخرى، كما خصصت لي باباً أسبوعياً، أكتبه منفرداً، كان عنوانه «لحظة من فضلك».

وفيها كتبت الكثير من المقالات، ونشرت عدداً من القصائد، وحررت حتى باب «الكلمات المتقاطعة» فيها، لهذا فإنني حين أستذكر ما قدمته مجلة «أخبار دبي» للصحافة الإماراتية والكتاب الإماراتيين، أقف إجلالاً واحتراماً لهذه المجلة التي سطرت البداية الأولى للصحافة الإماراتية، وكتبت اسمها بحروف من ذهب في تاريخها. إنها تمثل إرثنا وأرشيفنا الإعلامي والثقافي.