عادة لا تكون المتطلبات الجمالية مطابقة للرواية بعد إنتاجها مسلسلاً، والطريقة التي يتم بها إنتاج العمل المرئي وبثه من جديد بعد دفع ثمنه، بلا شك تؤثر في أسلوب الرواية، وبالتالي جوهر النص، إلا أن في حالات أخرى يصبح النجاح حليف المسلسل أكثر من السرد.
وبعد توجيه النتائج مسبقاً، قمنا بالتتبع لبعض الأعمال السردية والمرئية الناجحة في العقود الماضية، فكانت المقارنات بينهما حديث الناس، وأيهما الأفضل، وكانت مرضية عن مدى الإحداثيات والتغييرات في قواعد النص، مع قياس المسافة في ثبات وهيبة الرسالة الأخلاقية للرواية.
بطبيعة الحال، يفضل القارئ الرواية المكتوبة سرداً وخيالاً، أما بعد تحويلها إلى دراما، فيشعر بنوع من التطويل أو التغيير الذي يخل بالعمل السردي من حيث التماثل، فلا يتقبلها، فثمة تغيير في قواعد السرد، فعادة الطريقة التي يتم بها إنتاج هذه الأعمال من أجل التلفزة، يقومون بتنفيذ العمل بعد خطة مسبقة، بأن يتضخم السرد وتطول الحوارات، وتصبح المقاطع والمشاهد أحادية، فتزيد الحلقات، ليظهر كما يلاحظ القارئ والمشاهد بعض التناقضات في سلوك الشخصيات، فلا يعودون مقنعين في وجودهم بسبب الاستعارة الزائدة، وكذلك أثناء الوصف الزائد للمناظر الخلابة مثلاً، حيث يتم تفضيل المبالغة من أصل كل مشهد سردي خام إلى مشهد يطول ويتكرر.
لكن هناك أعمالاً سردية ناجحة بعد تحويلها إلى المرئي، وهي ذات قيمة مثل الورق تماماً، بعد تقديمها في حلقات فنية متتابعة ومرتبطة ببعضها، ليتكيف المشاهد ويستمر، وعلى الرغم من إرخاء هيكل السرد وجذوره الإنسانية العميقة، وشخصياته المعقدة والمتغيرة، بقي دور الإنتاج الفني ذكياً في تسليط الضوء على الشاشة، والمعالجات التي لا بد منها.
ومثال على ذلك مسلسل (أفراح القبة)، وهي رواية لنجيب محفوظ أصدرها عام 1981، والإجراءات الطفيفة التي تمت على السرد وإدخال شيء من الحداثة الفنية، لتأتي حِرَفية المخرج دون إفساد المسرود، ودون تغيير حتى عن الإطار العام الذي ابتغاه محفوظ.
وفي دولة الإمارات، كانت رواية (ريتاج) للمؤلف الإماراتي محمد الحمادي، حيث تم تغيير العنوان في المسلسل إلى (خيانة وطن)، وهذا التغيير لم يعترض عليه المؤلف، فالقضية الدرامية هي ذاتها، وتسمية ريتاج على الرواية كانت بهدف فني كيلا تكون هناك تصورات مسبقة للقارئ أثناء شرائه الكتاب، والعمل حقق نجاحاً كبيراً.
وفي المملكة المتحدة، العمل الشهير «هاري بوتر»، خرج وفقاً للنص الذي يشبه الإنتاج بشكل كبير، ما عدا مشهد هاري في المحطة حين عرف أنه ساحر، وذاهب لشراء اللوازم المدرسية، وقبل أن يأخذه الساحر «هاغريد» إلى المحطة، تم اختصار السرد الطويل الذي في الكتاب، حيث عاد هاري إلى عائلته حتى بقية الصيف، بينما في المسلسل يبدو بشكل أسرع، كيلا يشعر المشاهد بالملل، وهذا لم يخل بجوهر السرد.
وكذلك رواية «ترنيمة عيد الميلاد» لتشارلز ديكنز، ونجاحها حتى بعد إنتاجها تلفزيونياً في الثمانينيات من خلال البي بي سي، ومدى إبهار المشاهدين لزي الممثلين الفيكتوري، يحب الناس مشاهدة المسلسل مرات ومرات حتى هذا اليوم.
أما عن مسرحيات شكسبير حتى اليوم، فالجمهور القارئ يحب مشاهدة مسرحياته المعروضة الحية والمطولة، أكثر من قراءتها، لسببين، أولاً: لرؤية الأزياء العائدة إلى تلك الحقبة، وسماع الموسيقى في العرض، ثانياً: لأن مسرحيات شكسبير في أصلها قصيرة جداً، بينما المعروضة اليوم تم تطويلها كثيراً، مثل مسرحية (روميو وجولييت)، وإطالتها من أجل الإنتاج بنسبة 25% عن الكتاب.