مبادرات عصرية وبرامج هادفة وثرية تقودها دبي للاستفادة من الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي، وتوفير بيئة مثالية للشركات الاستثمارية والمواهب العالمية، لذا تسرع الإمارة الخطوات، لتوسيع استخدام هذه التقنية وتسخيرها في خدمة البشرية وتطور المجتمعات، حيث باتت تشكل نقلة نوعية في مختلف المجالات الحياتية لا سيما الثقافية والفنية، وأضحت ركيزة رئيسية لنمو الاقتصاد الإبداعي، وصنع مستقبل أكثر إشراقاً في هذا الحقل، الذي تُعتبر التكنولوجيا عنصراً رئيساً فيه، إذ يعمل الذكاء الاصطناعي كمحفز للابتكار وتنمية المهارات وصقل المواهب، ويساعد على تعزيز نتاجات المبدعين، وإثراء معارفهم، وتوفير جهودهم، وتسهيل أعمالهم، ما يسهم في ازدهار الاقتصاد الإبداعي وتحقيق التنمية المستدامة.
وعاماً بعد عام، تمضي دبي قدماً في تحقيق الطموحات والنجاحات، وحصد الإنجازات التي ترسّخ مكانتها وجهة مفضلة لأصحاب المواهب، وعاصمة عالمية للاقتصاد الإبداعي، وذلك بفضل رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الذي أطلق استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي، التي تتضمن أهدافاً طموحة، ومنها زيادة الإيرادات الناتجة عن القطاع الإبداعي، حيث يؤكد سموه دائماً أهمية الإبداع في الحياة ودوره في مجال الاقتصاد وصنع المستقبل، ونتبين ذلك في قول سموه: «الإبداع جزء من اقتصادنا، وجزء من جودة حياتنا ومحرك رئيسي لمستقبل بلادنا».
وعن دور الذكاء الاصطناعي في نمو اقتصاد دبي الإبداعي، أكد مسؤولون ومبدعون لـ«البيان» أن التقنيات الحديثة تحفز على الابتكار وتعزز ازدهار مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية.
نقلة نوعية
وقال ماجد السويدي، النائب الأول لرئيس مجموعة تيكوم – مدينة دبي للإعلام ومدينة دبي للإنتاج ومدينة دبي للاستديوهات: «إن قطاع الإبداع في دبي يشهد تطوراً ملحوظاً.
ومن المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في إحداث نقلة نوعية في مجال صناعة المحتوى والأفلام، حيث سيؤثر حتماً على كلّ جانب من جوانب الإنتاج».
وتابع: «نسعى بشكل دؤوب إلى المساهمة بشكل كبير في مسيرة هذا القطاع الواعد.
وتلعب مدينة دبي للإعلام ومدينة دبي للإنتاج ومدينة دبي للاستديوهات، دوراً محورياً في دفع عجلة الاقتصاد الإبداعي من خلال بيئات الأعمال المتكاملة التي تسهم في تعزيز التواصل والتعاون بين الجهات الفاعلة ودعم المواهب ونمو الصناعات الإبداعية».
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يستفيد صنّاع الأفلام بشكل كبير من الذكاء الاصطناعي، لافتاً إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي، بدءاً من تحليل النصوص والتصوّر المسبق للمشاهد، يمكن أن تسهم في تحسين كفاءة سير الأعمال مما يتيح للمبدعين التركيز بشكل أكبر على الجوانب الفنية والإبداعية، مشدداً على أن دبي تمتلك كافة المقومات التي تمكنها من ترسيخ مكانتها مركزاً عالمياً لصناعة المحتوى والأفلام، بما في ذلك حرصها الدائم على توظيف الذكاء الاصطناعي وغيره من الابتكارات التكنولوجية الحديثة في شتى القطاعات.
واختتم: «سجّل قطاع الإعلام في مجموعة تيكوم والمتمثل بمدينة دبي للإعلام ومدينة دبي للإنتاج ومدينة دبي للاستديوهات، نمواً ملحوظاً هذا العام، حيث شهدت قاعدة عملائه خلال الأشهر التسعة الأولى نمواً بنسبة 10 % على أساس سنوي لتتخطى 4000 عميل من نخبة الشركات العالمية والإقليمية والمحلية، كما بات يضمّ هذا القطاع مجموعة غنية من المواهب التي تخطّى عددها 40500 موظف متخصّص في شتى مجالات الإعلام وصناعة المحتوى والإبداع».
دبي الأكثر استعداداً للمستقبل
بدوره، أكد الدكتور سعيد مبارك بن خرباش، المدير التنفيذي لقطاع الفنون والآداب في هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، أن دبي تتفرد بتبنيها مجموعة واسعة من المبادرات التي تعكس تطلعاتها لأن تكون الأفضل والأسرع والأكثر استعداداً للمستقبل.
وتابع: «أحدث الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في توظيف التكنولوجيا المتقدمة في مختلف القطاعات، ومن بينها قطاع الثقافة والفنون الذي يمكنه الاستفادة من التقنيات الحديثة في دعم قوة الاقتصاد الإبداعي ومنظومة الصناعات الثقافية والإبداعية والإسهام في رسم مستقبلها».
ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي يساهم في تحفيز روح الابتكار لدى المبدعين وتعزيز كفاءتهم، وتمكينهم من تطوير أفكارهم وتجاربهم الفنية، ما يفتح آفاقاً جديدة للإبداع في دبي.
وأضاف: «تسعى دبي للثقافة عبر شراكاتها الاستراتيجية مع المؤسسات والشركات التكنولوجية، وبرامجها المتنوعة إلى تمكين أصحاب المواهب من استكشاف أدوات الذكاء الاصطناعي وتوظيفها في تنمية مشاريعهم ونشر أعمالهم على نطاق واسع، إلى جانب تحفيزهم على تبني الحلول المتقدمة والمستدامة ومواصلة مسيرة الابتكار في المجالات الثقافية والفنية، ما يثري الحراك الثقافي في الإمارة».
من جانبه، أكد الفنان الإماراتي عبدالقادر الريس أن الذكاء الاصطناعي إذا تم استخدامه بشكل مناسب وبطريقة صحيحة، فإنه سيعزز إبداع الفنان، ويسهل عليه عمله، ويزيد من إنتاجه، ما يسهم في نمو الاقتصاد الإبداعي وتطور الفنون. وتابع: «أشجّع الفنانين على استخدام هذه التقنية، واستثمار ما تقدمه من بيانات وتسهيلات، تساعد في زيادة النتاجات الإبداعية.
بالمقابل، على الفنان أن يكون أميناً، وألا ينسب عمل غيره لنفسه، وأن يتحلى بالمصداقية الكاملة، وأن يبحر أكثر في عوالم هذه التقنية، التي باتت اليوم ضرورية في مختلف المجالات، لا سيما الفنية والثقافية».
من جهته، قال الدكتور محمد سالم المزروعي عضو مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم: «على مدار الخمس سنوات الماضية، تطور الذكاء الاصطناعي وخاصة التوليدي بشكل متسارع، ليدخل في العديد من القطاعات والمجالات ومن بينها الثقافة والمعرفة، حيث ساهم في تقديم حلول مبتكرة لعبت دوراً محورياً في توسيع آفاق الوصول إلى المعلومات وتسهيل إيصال المعرفة إلى جميع أفراد المجتمع».
وعن تأثير الذكاء الاصطناعي على المكتبات، أكد المزروعي أن الذكاء الاصطناعي يُعتبر من العوامل المحورية التي تُحدث تغييراً جذرياً في عالم المكتبات، منوهاً بأنه يمكن أن يسهم في تسهيل الوصول إلى مصادر المعرفة بعدة طرق، منها: تحسين تجربة المستخدم، من خلال توفير توصيات مخصصة تتناسب مع اهتمامات القراء، ما يسهل عليهم العثور على المواد المناسبة، وتحليل سلوك المستخدم وتمييز أنماط البحث والقراءة، الأمر الذي يساهم في تحسين وتطوير خدماتها وفقاً لاحتياجات القرّاء، مضيفاً: «إن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقاً جديدة للمؤلفين، والناشرين، والمكتبات على حد سواء.
كما يساعد على تبسيط عمليات النشر والإنتاج، ويساهم في زيادة التفاعل مع المحتوى الثقافي والأدبي ما يجذب المزيد من الاستثمارات في مجال الثقافة والمعرفة، ويعزز من مكانة دبي كوجهة ثقافية عالمية.
كما أن الذكاء الاصطناعي يعزز دور المكتبات في دعم المبدعين والمبتكرين من خلال تقديم منصات تفاعلية تسهم في نمو الاقتصاد الإبداعي وازدهاره مستقبلاً».
وفي السياق ذاته، أكد الموسيقار إيهاب درويش، رئيس جمعية الموسيقيين الإماراتيين، أهمية ودور الذكاء الاصطناعي في تعزيز عملية الإنتاج الموسيقي وتسريعها وتوفير التكاليف، منوهاً بأنه يسهم في جذب الاستثمارات وزيادة وتيرة الفعاليات الموسيقية ما يعود بالنفع على الاقتصاد الإبداعي والسياحة الثقافية.
وأشار إلى أن دبي حاضنة للتكنولوجيا والأفكار البناءة الجديدة، واستخدامها للذكاء الاصطناعي يرسخ مكانتها مركزاً ريادياً يجمع بين الفن والتكنولوجيا، ووجهة عالمية للإبداع.
ولفت إلى أنه لا يعتمد على الذكاء الاصطناعي في عمله بشكل كامل، لكن يستخدمه في تسهيل وتسريع عملية الإنتاج الموسيقي، لافتاً إلى ضرورة استخدامه بشكل ملائم بحيث لا يضيع الإبداع الحقيقي، منوهاً بأن الذكاء الاصطناعي يعتبر أيضاً أداة مهمة لتطوير المجال الموسيقي، حيث يساعد على توليد الألحان وتحسين جودة التسجيلات.
تحول ملحوظ
«الذكاء الاصطناعي سيحقق تحوّلاً ملحوظاً في القطاع الإبداعي»، بهذه الكلمات بدأت خديجة البستكي، النائب الأول لرئيس مجموعة تيكوم – حي دبي للتصميم حديثها، مشيرة إلى أن قطاع الأزياء الذي يحتفي حي دبي للتصميم بأحدث صيحاته وفعالياته، من القطاعات المتأثّرة حتماً بمثل هذا التحوّل، لافتة إلى أن العلامات التجارية تقف اليوم في ظل الذكاء الاصطناعي، أمام فرص كبرى لبلوغ آفاق غير مسبوقة من الإبداع والكفاءة والإنتاجية.
وأكدت أنه يمكن لعلامات الأزياء في دبي، الاستفادة من إمكانات التكنولوجيا، لدفع عجلة النمو وتعزيز مرونتها ورسم مستقبل أكثر إشراقاً لها، لافتة إلى أن التقنيات الحديثة قد تعمل على توقّع احتياجات المستهلكين لتحديد آخر التوجّهات في عالم الموضة، ورسم مستقبل القطاع، ودمج ممارسات الإنتاج المستدامة بالإدارة الذكية للمخزون، والحدّ من نفايات التصنيع، ورفد قطاع الموضة بالأفكار الخلاقة.
وعن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي بفعاليات الموضة في دبي ومنها أسبوع دبي للموضة، الذي ينظمه حي دبي للتصميم، قالت: «نسعى إلى توظيف التقنيات الحديثة لتحقيق الفائدة لمجتمعنا ولأصحاب المصلحة».
وتابعت: «نعمل على تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي الرائدة وتشجيع المصمّمين على تبنّيها أيضاً، لتمكينهم من تصميم تجارب فريدة من نوعها تميّزهم عن غيرهم. ولا شكّ في أنّ التكنولوجيا المتطورة، ستتيح للمصمّمين بلوغ آفاق جديدة من الإبداع، فضلاً عن الحفاظ على مكانتهم في الطليعة من خلال الابتكار والتميز، وهذا كله بالتأكيد يعزز اقتصاد دبي الإبداعي ويسهم في ازدهاره ونموه، ويحقق مستقبلاً أكثر إشراقاً في المجال».
ولفتت البستكي إلى أن قطاع الأزياء في دبي يواصل مسيرة النمو المستدام، بفضل مكانة دبي العالمية كعاصمة رائدة للإبداع، وما تتميز به من بيئة أعمال متكاملة مدعومة بالبنية التحتية المتطورة وأحدث الابتكارات التكنولوجية.
دبي.. صدارة عالمية في ميادين الثقافة
تصدّرت دبي مؤخراً على المستوى العالمي، مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات الثقافية والإبداعية لعام 2023، وتمكنت بحسب بيانات مرصد دبي للاستثمار الأجنبي الصادرة عن دائرة الاقتصاد والسياحة بدبي، من استقطاب 898 مشروعاً في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية خلال عام 2023، ما أدى إلى ارتفاع إجمالي تدفقات رؤوس أموال مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع إلى 11.8 مليار درهم.
ومن المتوقع أن تصل المساهمة الاقتصادية للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط إلى 320 مليار دولار بحلول عام 2030، ويتوقع أن تشهد الإمارات التأثير الأكبر بنحو 14 % من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
وتشير دراسة أعدها «مركز دبي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي»، مؤخراً إلى وجود أكثر من 800 شركة تكنولوجية تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي بمدينة دبي. وقدّم تقرير «دبي الإبداعية: استكشاف آفاق الإبداع المستقبلية» الذي أطلقته سموّ الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، مؤخراً، لمحةً شاملة عن القطاع الإبداعي الذي يمثل رافداً اقتصادياً دولياً مهماً.
وحسب التقرير فإنه ووفقاً لإطار دبي للإحصاءات الثقافية، تشير البيانات الصادرة من مؤسسة دبي للبيانات والإحصاء إلى تحقيق قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية قيمة مضافة بلغت 21.96 مليار درهم في العام 2022، كما يُبيّن التقرير وصول عدد المؤسسات الربحية العاملة في القطاعات الإبداعية في دبي إلى 47،544 شركة.
