عند دخولك إلى أرجاء وشوارع وحارات دمشق القديمة التاريخية أو بيوتها ومساجدها، تثير دهشتك تلك الأسقف الخشبية المنجزة بإتقان، أو اللوحات المنتشرة على جدرانها، أو أثاثها العريق المرصع بالصدف أو الأرابيسك، أو قطعها الفنية كتلك التي تعتمد الحفر أو النقش على النحاس.
هذه الفنون الرائعة، تتضمن مفردات من فن الزخرفة الدمشقية العريق الذي ارتبط بتاريخ وحضارة دمشق، وأعطاها طابعاً وهوية بصرية مميزة، حيث جمعت بين مدرستين فنيتين هما التجريد والتكعيب، وارتبطت بموقع دمشق، حيث تأثر تاريخها بمزيج من الحضارات من الشرق والغرب وخاصة في ظل وقوعها على طريق الحرير.
خصوصية
يقول مؤسس مركز الفن الدمشقي، الباحث محمد الحاج قاب، لـ«البيان»: «لا شك أن هناك زخرفة دمشقية في حد ذاتها، شأنها شأن هوية الزخرفة في مصر أو المغرب أو إيران أو تركيا»، لافتاً إلى أن «إحدى ميزات الزخرفة الدمشقية هي كونها نافرة، على خلاف الزخارف في البلاد الأخرى، وهذا ما جعل الزخرفة الدمشقية تتميز عن مثيلاتها بشكل عام، وكان لها هذا الطابع الذي أعطى خصوصية ومكانة حضارية لمدينة دمشق».
وأضاف الحاج قاب: «كما تتميز مدينة دمشق بخصوصية أخرى هي التنوع الزخرفي الذي كان موجود بداخلها، إضافة إلى تنوع العناصر الموجودة في قلب الزخارف، ومنها عناصر نباتية وهندسية، وهذا جزء من الأجزاء التي نستطيع من خلالها تحديد الزخرفة الدمشقية». وتابع: «دمشق صدرت الكثير من مفردات الجمال إلى دول العالم وكانت سباقة بهذا الأمر».
أساسيات
يوضح الحاج قاب أن «الزخرفة الدمشقية تجمع نوعين من الفن هما المدرسة التجريدية، وهي المدرسة التي تعبر عن الطبيعة، والمدرسة التكعيبية.. فالأساس في الزخرفة الدمشقية النبات، حيث إننا نقوم بتجريد الطبيعة من مكنونها الثابت لمكنون زخرفي له، إضافة إلى الزخارف الهندسية وهي من المدرسة التكعيبية». ويلفت إلى أن «اللوحات والزخارف التي تضم التجريد والتكعيب، تعد من اللوحات العظيمة، لأنها تمزج نوعين من الفنون».
ويستطرد الحاج قاب: إن «ما يميز الزخرفة الدمشقية أيضاً هي مزج الزخارف من الشرق والغرب، حيث تأثرت بفنون بلاد ما بين النهرين والحضارات التي تواكبت على المنطقة الأموية العباسية الفاطمية المملوكية، إضافة إلى التأثر بحضارات الإغريق والرومان والبيزنطيين، ناهيك عن وقوع دمشق على طريق الحرير فدخل على الزخرفة عناصر كثيرة امتزجت بأنواع الزخارف الموجودة بين أيدينا».
وتابع الحاج قاب : «إن هناك مهناً كثيرة تعتمد على الزخارف الدمشقية إن كان من النقش أو الحفر على النحاس أو فن النجارة وفن الجص وغيرها». وفيما يخص العناصر التي تتضمنها الزخرفة، قال: إن «الزخرفة تتضمن العديد من العناصر الأساسية مثل التعتيق والتعشيق والترخيم والتذهيب وغيرها»، موضحاً أن «الحرفيين والفنانين يقومون بالزخرفة بكل تلك المفردات».
نقاط كثيرة
وعما إذا كانت الزخرفة سائدة بأعمال الترميم، يقول الحاج قاب «بالتأكيد فن الزخرفة أساسي وله علاقة بنقاط كثيرة مهمة ومازالت موجودة ولا نستطيع أن ننكر وجود الزخرفة الدمشقية بأعمال الترميم؛ لأن أي بيت ندخل إليه ونقوم بعملية الترميم فإننا نجد زخارف مازالت موجودة نعمل على إعادة إحيائها دون أن نبتكر شيئاً من الواقع الحالي».
