شهدت مصر لحظة تاريخية، مع افتتاح المتحف المصري الكبير، أكبر صرح أثري مخصص لعرض آثار الحضارة المصرية القديمة في العالم، ليشكل نقلة نوعية في مجال العرض المتحفي وحفظ التراث.
يضم المتحف مجموعة غير مسبوقة من القطع الأثرية النادرة، من بينها المجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، بالإضافة إلى آلاف القطع الفريدة، التي تعرض لأول مرة، في تجربة متكاملة، تجمع بين الأصالة والتكنولوجيا الحديثة.
وحول كواليس الإنشاء والتخطيط للمتحف المصري الكبير، حتى خروجه للنور بهذا الشكل المبهر عالمياً، يقول الدكتور حسين كمال مدير عام الترميم في المتحف المصري الكبير، في حديثه لـ «البيان»: «إن المتحف يضم مجموعة استثنائية من القطع الأثرية، تعد من أهم وأندر ما عرفته الحضارة المصرية القديمة.
إن معيار التميز في المتحف لا يعتمد على العدد فقط، بل على القيمة الاستثنائية لما يعرضه من قطع فريدة».
ويوضح الدكتور حسين كمال أن المتحف يضم عشرات الآلاف من القطع الأثرية، من بينها مركب الملك خوفو، وهو أكبر أثر عضوي في العالم، إضافة إلى القناع الذهبي لتوت عنخ آمون ومقتنياته الكاملة، ما يجعل محتوى المتحف فريداً على مستوى العالم، نظراً لعرض عدد ضخم من القطع لأول مرة.
ويكشف الدكتور حسين كمال أن عدد المرممين العاملين في معامل المتحف يبلغ نحو 150 متخصصاً، قاموا بترميم نحو 57 ألف قطعة أثرية، بالإضافة إلى فريق متكامل، يضم أثريين ومتخصصين وخبراء دوليين، موضحاً أن مجموع العاملين في منظومة الحفظ والترميم والمخازن لنحو 500 فرد، يعملون وفق منظومة علمية دقيقة.
ويشير إلى أن بعض قطع توت عنخ آمون نُقلت من المتحف المصري بالتحرير - وسط القاهرة مباشرة إلى المتحف الكبير، دون حاجتها لعمليات ترميم، نظراً لحالتها الممتازة، بينما يستمر العمل حالياً على مجموعة مهمة من التوابيت المكتشفة حديثاً، من بينها توابيت سقارة والعساسيف، والتي تتجاوز 100 تابوت ملون، يحتوي العديد منها على مومياوات بحالتها الأصلية.
ويؤكد أن هذه الاكتشافات الأخيرة، التي لاقت اهتماماً عالمياً، تعد إضافة كبيرة للمتحف المصري الكبير، الذي يستمر في استقبال القطع الأثرية وإجراء عمليات الترميم، بما يليق بقيمتها التاريخية والحضارية.
قسم الإسعافات الأولية
وفي السياق ذاته، تؤكد الدكتورة داليا علي عبد العال رئيس قسم الترميم الأولي للآثار العضوية بالمتحف المصري الكبير، لـ «البيان»، أنها أسست معمل الآثار العضوية، وشغلته لمدة ثلاث سنوات، قبل انتقالها لرئاسة قسم الترميم الأولي للآثار العضوية، وهو القسم المسؤول عن تقديم ما يسمى «الإسعافات الأولية» للقطع الأثرية قبل نقلها للمتحف.
وتقول داليا علي: «إن فريق العمل كان يتولى استقبال الآثار من مختلف مخازن ومتاحف مصر، بدءاً من مرسى مطروح، وصولاً إلى أسوان، لإجراء المعالجات الأولية اللازمة لها، وتجهيزها للنقل والتغليف، ثم إرسالها بأمان إلى معامل الترميم المتخصصة داخل المتحف المصري الكبير، حيث تُستكمل عمليات الترميم الشاملة قبل عرضها في القاعات».
وتشير داليا علي إلى أن من أبرز القطع التي عملت عليها، كانت مومياء مغطاة بغطاء قرطناجي، تعود للعصر اليوناني الروماني، لأميرة مصرية، جرى نقلها من مخازن بني سويف بصعيد مصر، واستغرق العمل عليها أكثر من عام، بسبب تدهور حالتها، مؤكدة أن خبراء من المتحف البريطاني أشادوا بجهود الفريق المصري، بعد رؤية النتائج النهائية.
وتضيف داليا أنها شاركت في إعداد تقارير الحالة، وتغليف ونقل جميع قطع الملك توت عنخ آمون تقريباً، مشيرة إلى أن نقل المقاصير والعجلات الحربية الخاصة بالملك، كان من أكثر المهام دقة وتعقيداً.
كنوز التراث الإنساني
وفي السياق ذاته، يقول الدكتور زاهي حواس وزير الآثار المصري الأسبق، والعالم الأثري المعروف لـ «البيان»: إن المتحف المصري الكبير، يعد أهم متحف في العالم، ليس فقط لأنه شيد بجوار الأهرامات، وبمساحة تعد هي الأكبر عالمياً، ولكن لأنه يضم أعظم كنوز التراث الإنساني، وعلى رأسها مقتنيات الملك توت عنخ آمون.
ويضيف أن هذا الصرح ليس مجرد متحف، بل مؤسسة اقتصادية وتعليمية وثقافية وأثرية متكاملة، تمثل رسالة قوية للعالم، مفادها أن مصر، رغم التحديات الاقتصادية، قادرة على بناء أعظم صرح حضاري في العصر الحديث. ويشير إلى أن افتتاح المتحف، يعكس إرادة الدولة ورئيسها وحكومتها في تقديم مصر كقوة حضارية كبرى.
79 وفداً
ويوضح زاهي حواس، أن الافتتاح حقق مكاسب سياسية كبيرة، حيث شارك في الحدث 79 وفداً ممثلاً رسمياً ورؤساء دول ووزراء، ما يؤكد مكانة المتحف عالمياً، كما حققت مصر مكاسب إعلامية غير مسبوقة، إذ تصدر اسمها وشأنها العناوين ووسائل الإعلام العالمية، في تغطية لو أرادت الدولة إنجازها بإعلانات لاحتاجت إلى مليارات الدولارات.
ويؤكد حواس أن المتحف سيكون عنصراً محورياً في دعم السياحة والاقتصاد، نظراً لجذب ملايين السائحين المتوقعين من مختلف دول العالم، مشيراً إلى أن الدعاية التي صاحبت الافتتاح، كانت كافية لإحداث رواج سياحي ضخم، دون الحاجة إلى حملات إضافية في الوقت الحالي.
رؤية هندسية للتصميم
ويتابع: «هذا المتحف سيخلق وعياً أثرياً وثقافياً غير مسبوق لدى المصريين والأجيال القادمة، فهو ليس مكاناً للعرض فقط، بل منظومة تعليمية ومعرفية وبحثية متكاملة».
وفي حديثه عن تصميم بهو رمسيس والمسلة المعلقة، يوضح حواس أن تصميمها جاء لإبراز النقوش الموجودة في الجزء السفلي للمسلة، مؤكداً أنها تقدم رؤية هندسية فريدة، تظهر عظمة الحضارة المصرية، مشيراً إلى أن المتحف يضم مقتنيات توت عنخ آمون كاملة، بما فيها القناع الذهبي والعرش، وقرابة 5000 قطعة أثرية، بالإضافة إلى متحف الطفل، ومتحف مركب الشمس، بما يجعل المتحف مؤسسة عالمية بكل المقاييس.
