في خضم التحول الرقمي المتسارع، باتت طبيعة المحتوى بمختلف أشكاله التحريرية والإعلامية تمر بمرحلة إعادة تشكيل جذرية. ولم يعد التأثير مقتصراً على قطاع بعينه، بل امتد إلى الإعلام، والفنون، وصناعة المحتوى المعرفي، وكل ما يخاطب الجمهور عبر منصات الاتصال الحديثة، فالزمن الرقمي فرض قواعد جديدة، تعتمد على سرعة الانتشار وقابلية التشارك والمشاهدة، أكثر مما تعتمد على العمق والرسالة.
وبحسب باحثين ونقاد، أصبح «الترند» لغة العصر، وأضحى صانع المحتوى في سباق محموم نحو الظهور والانتشار، فيما تراجع اهتمام فئة واسعة بمعايير الجودة والثقافة الأصيلة.
ويرى الكاتب الصحفي محمد حرحش، أن المحتوى بمختلف أشكاله بات أسيراً لمنطق «الترند».
ويؤكد أن الأغلبية أصبحت تلهث وراء الشهرة السريعة والربح، فيما الأقلية فقط لا تزال تتمسك بالجودة لأنها تؤمن بالرسالة وتسعى لتحقيق أهداف واضحة.
ويشير إلى أن الشهرة الرقمية أصبحت للأسف أهم وأغلى من جودة الإنتاج، إلا أن ذلك لا يلغي وجود أعمال قيّمة ما زالت تصمد وتحقق أثراً إيجابياً في وعي الجمهور، ويشدد على أن المحتوى القوي يبقى، فيما يختفي الضعيف سريعاً تاركاً أثراً سلبياً مؤقتاً.
وتؤكد الباحثة د. هبة إسماعيل، رئيس لجنة التعليم والتدريب بالاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، أن التحولات الرقمية الحالية فرضت على المبدعين تحديات جديدة، أبرزها أن يخوضوا معركة الظهور دون التفريط في القيمة.
وتشير إلى أن «الترند» ليس مشكلة في حد ذاته، بل المشكلة في أن يتحول إلى غاية، فيبتعد المنتج الثقافي عن دوره التنويري.
وتلفت إلى أن الثقافة الحقيقية لا تقاس بعدد المشاهدات، بل بمدى قدرتها على إحداث تغيير في الوجدان والعقل، وهو معيار لا تمنحه الخوارزميات الرقمية، بل يمنحه الزمن.
وتضيف أن منصات التواصل الاجتماعي، رغم ضجيجها، أصبحت أيضاً فرصة لإيصال الأعمال الجادة إلى جمهور أوسع، شريطة أن يظل المبدع وفياً لرسالة إنتاجه.
