نشاط إبداعي متنامٍ يرسم ملامح تجربة فنية واضحة المعالم، تتألق من خلالها المواهب جيلاً بعد جيل، وجهود موازية ترسّخ مفاهيم عميقة بقيمة الفن ودوره في المجتمع، وتعكسها كتابات رصينة ومؤلفات ذات قيمة كبرى، تدل على إدراك حقيقي للإبداع، وخلال هذا المشهد الثقافي الذي تتآلف فيه روعة التعبير الفني، ورزانة التأصيل الفكري، تتأكد أهمية الفن الإماراتي وبصمته المميزة.

وأكد الفنان والكاتب الإماراتي سالم الجنيبي، المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة «التفكير فنياً» للنشر والثقافة والتعليم، ونائب رئيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، في تصريح لـ«البيان»، أن حركة التأليف الفني في الإمارات، تشهد تطوراً متسارعاً، يعكس الوعي العميق بأهمية الكتاب، بوصفه أداة للتوثيق وتعزيز الفكر الجمالي، مشيراً إلى أن المبادرات الحكومية أسهمت في دعم هذا الحراك، وأن من بين هذه المبادرات، حصوله على منحة من وزارة الثقافة لدعم مشروعه الجديد.

وأوضح أن المشروع هو كتاب عن الفن المعاصر في الإمارات، سيكون الأول من نوعه في رصد وتحليل التحولات الفنية الراهنة، منوهاً بأنه أنشأ مؤسسة «التفكير فنياً» عام 2024، لتكون دار نشر متخصصة حصراً في الكتب الفنية، ولسد فجوة التوثيق النقدي والمعرفي في هذا المجال، وتقديم منصة تعزز الحوار الثقافي، وتدعم الاقتصاد الإبداعي.

وقال الجنيبي: «كتابي «ما هو الفن؟»، هو رحلة فكرية تجمع رؤى وتجارب أكثر من 50 فناناً إماراتياً من أجيال مختلفة، يعرّفون الفن من منظورهم الخاص، ويقدمون تأملاتهم حول معناه ووظيفته ودوره في المجتمع».

وبيَّن أن الكتب الفنية في الإمارات، تؤدي دوراً مؤثراً في ترسيخ الوعي بالإبداع، وتوثيق مسارات الحركة الفنية.

تحول نوعي

من جانبها، أوضحت الدكتورة نهى هلال فران، أكاديمية وباحثة في الفن والتراث والذاكرة الثقافية، ومتخصصة في الجماليات والأنثروبولوجيا البصرية، أن حركة التأليف الفني في الإمارات، تشهد تحوُّلاً نوعياً، يعكس نضج المشهد الثقافي وقدرته على إنتاج معرفة نقدية تتجاوز التوثيق السطحي، نحو بناء خطاب إبستمولوجي، يقرأ التحولات البصرية، ويعيد تأويلها ضمن سياقاتها الاجتماعية والتاريخية والسياسية، مؤكدةً أن هذا الحراك المعرفي يرصد الظواهر، ويسعى إلى تفكيك البنى الرمزية التي تؤطر الممارسة الفنية، لإعادة صياغة الوعي الجمالي.

وقالت نهى: «وجدت نفسي جزءاً من هذا المسعى، عبر مشروعات بحثية ومؤلفات أكاديمية، هدفها تأصيل الوعي بتاريخ الفن، وتثبيت الذاكرة البصرية، ومن أبرز هذه الإصدارات كتاب «ذاكرة وفن: الحركة الفنية في الإمارات من التأسيس إلى المعاصرة»، الصادر عن معهد الشارقة للتراث، إضافة إلى أعمال أخرى، حاولت من خلالها مقاربة إشكالية التراث والمعاصرة، وتحليل ديناميات الثقافة والتعليم في الشرق، وحاولت كذلك استقصاء تطور الحركة الفنية العربية في أبعادها الرمزية والأنثروبولوجية».

وأضافت: «يتناول كتابي «الاقتصاد الإبداعي.. جدلية الفن والصناعة بين النظرية والتطبيق: التجربة الإماراتية أنموذجاً»، إشكالية محورية، وهي مدى حاجة ثقافتنا العربية إلى تعميق المعرفة بالبنى والمفاهيم والاستراتيجيات التي تقوم عليها فلسفة الاقتصاد الإبداعي المعاصر. و

من هذا المنطلق، سعيت من خلال الكتاب إلى استقصاء مشاغل الاقتصاد الإبداعي، وبناء رؤية تتجاوز حدود التنظير المجرد، إلى صميم التجربة الواقعية، مستندة إلى مرجعيات فكرية منفتحة، وبيانات تحليلية مركَّبة، ونماذج تطبيقية تحمل خصوصية ثقافية وحضارية رائدة».

ورأت ضرورة الانخراط في مشروعات بحثية معمقة، ذات بعد متعدد التخصصات، بحيث تلتقي فيها المقاربات الجمالية مع القراءات السوسيولوجية والأنثروبولوجية، كما أن توسيع نطاق الترجمة والانفتاح على النظريات النقدية، ما بعد الكولونيالية والأنثروبولوجيا البصرية والدراسات الثقافية، يشكّل شرطاً لتجديد الفكر الفني، وتحريره من النمطيات.