لم تكن الهندسة سوى بداية طريق طويل فتح أبواب الدقة والانتباه للتفاصيل أمام الإماراتية المهندسة سعاد السويدي، التي كان قلبها دائماً ينجذب إلى عالم آخر، عالم الحياة البرية بما فيه من غموض ودهشة.
وبينما كانت زميلاتها يواصلن مشوارهن في المكاتب والمختبرات، كانت سعاد تجهز حقيبة معداتها، وتشد الرحال إلى البراري والكثبان الرملية لتوثق بعدستها حياة الحيوانات المفترسة والمهددة بالانقراض، حتى حصدت جوائز وتكريمات عدة محلياً وعالمياً، أهمها جائزة الأم تريزا العالمية للسلام.
موهبة وشغف
سعاد، المبدعة الإماراتية والعربية التي تفردت في أسلوب التوثيق الشائق ضمن مجال تصوير الحياة البرية، واقتحمت مجال تصوير الحيوانات المفترسة، لم تخض هذه الرحلة وحدها، فقد كان وراء نجاحها أم تؤمن بموهبتها وشغفها حد اليقين وتشجعها، حيث تقول عنها: «أمي كانت سندي الأول، كانت تشجعني على ألا أستسلم، وأن أثق أن صورتي التي آمنت دوماً بأنها ستصنع فرقاً، كانت تذكرني دائماً بأن الجرأة والشغف أساس التغلب على الصعاب وتجاوز التحديات».
لم تختر سعاد الطريق السهل، حيث تقول: «الحيوانات علمتني الصبر، فالصورة الواحدة قد تحتاج أياماً من الانتظار في صمت مطبق، وعلمتني القوة لأني كثيراً ما كنت في مواجهة مباشرة مع مخلوقات خطِرة، والأهم أنها علمتني التواضع، فكل كائن على هذه الأرض له دور لا يقل أهمية عن الآخر».
ولم يكن الطريق مفروشاً بالورد، فقد واجهت سعاد تحديات جسدية ونفسية، من نظرة المجتمع التقليدية للمرأة، إلى خوف أهلها عليها من السفر إلى هذه الأماكن وحدها، والسهر أياماً طويلة في الصحارى، والاحتماء من حرارة الشمس القاسية أو برد الليل، إلى مواجهة لحظات محفوفة بالأخطار مع حيوانات ضارية لا ترحم.
صور سعاد لم تعد مجرد لقطات فنية، بل أصبحت وثائق حية تروي حكاية التنوع البيئي في الدول التي زارتها، وتلهم أجيالاً جديدة من الفتيات بأن يسعين وراء أحلامهن، أياً كانت صعوبتها.
تصف السويدي تحديات رحلاتها بأنها لم تكن فقط في مواجهة المخاطر الطبيعية كالتنقل بين الصحارى أو الاحتماء من تقلبات الطقس، بل في كسر الصورة النمطية عن المرأة الإماراتية، وتضيف: «كان الكثيرون يتعجبون من جرأتي، لكن شغفي كان أقوى من كل العوائق».
وتذكر أنها عاشت طفولتها المبكرة وحتى عمر العاشرة في الولايات المتحدة الأمريكية بصحبة والدها الذي كان يدرس هناك، ما أسهم في تنمية اهتماماتها بالبيئات المختلفة، وعندما عادت إلى الوطن حرص والداها على تعليمها اللغة العربية والدين، كونهما المحضن للهوية الوطنية.
عندها اكتشفت أن عدداً من أسماء السور القرآنية يحمل أسماء حيوانات مثل البقرة، النحل، النمل، العنكبوت، والأنعام، هذا الأمر أثار فضولها للتعمق أكثر في عالم الحيوانات، وتأثرت بالآيات القرآنية التي تقول: «أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت» (الغاشية)، و«وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم» (الأنعام).
