في أعماق مياه الخليج العربي، وتحديداً، حيث بداية مضيق هرمز، تقع منطقة بحرية عُرفت بخطورتها الشديدة وبأمواجها الكاسرة القادمة من جهة المحيط الهندي. وما يميز هذه المنطقة وجود قمم جبلية صخرية بارزة تغمرها المياه تمتد من عمق البحر، إذ تعترض طريق الأمواج الهائجة فتشّكل ارتطاماتها العنيفة دوامات مائية قوية ومتسعة، ما يجعلها مصيدة خطيرة لأية سفينة تقترب حيثذاك من دون دراية.

الخطر الأكبر في هذه المنطقة هو أن ملامحها الجغرافية غير مرئية على سطح الماء، ما يجعلها تبدو آمنة، لكنها في الحقيقة تخبئ فخاخاً بحرية مميتة، وبالرغم من هذه المخاطر، كانت المنطقة ممراً إجبارياً للبحارة القادمين من المحيط باتجاه الخليج العربي، حيث يتخذون هذا الطريق الحيوي للعبور من مضيق هرمز وصولاً إلى مسقط، ثم إلى بقية المرافئ في الخليج.

الأسطورة: منذ زمنٍ طويل توارثت الألسن حكاية «سلامة وبناتها»، وهي امرأة يُقال إنها غرقت مع مجموعة من النساء في منطقة بحرية خطرة تُسمى اليوم «غبّة سلامة»، وقد تناقلت الجدّات في الحكايات الشعبية القديمة، حكاية مفادها أن هناك نساء كُنَّ يعبرن تلك المنطقة على متن قارب، فهاجت بهنّ الأمواج وابتلعهنّ البحر، ولم يظهر لهنّ أثر بعدها، ومنذ ذلك الحين ارتبط اسم المكان بهذه القصة الغامضة.

عند البحث عن أصول القصة علمياً، تكشفت لنا جملة حقائق عن طبيعة بحرية معقدة؛ إذ تُعد المنطقة من أخطر المواقع بسبب التقاء تيارات عنيفة قادمة من المحيط الهندي بأمواج الخليج العربي، وهذا الالتقاء ينتج دوامات هائلة قد تسحب السفن الصغيرة وتُغرقها، ويرى بعض المختصين أن هذه الظاهرة كانت السبب الحقيقي وراء الحادثة، وأن «سلامة» ما هي إلا رمز شعبي لشخصية مجهولة الهوية، ضاعت في تلك الأعماق.

ويُشير آخرون إلى أن هذا الاسم لم يُطلق عبثاً بل يعكس مأساة حقيقية رسّخها الوجدان الشعبي تماماً كما خَلدت أسماء أماكن أخرى لحكايات اختلط فيها الواقع بالأسطورة. وقد تكون «غبّة سلامة» أيضاً وصفاً لصوت البحر العميق في تلك المنطقة، حيث تُصدر الدوامات صدى غريباً يُشبه الأنين مما زاد من الغموض حول المكان.

في كل الاحتمالات تبقى «غُبّة سلامة» شاهداً على علاقة الإنسان بالبحر، حيث تتقاطع المعرفة بالخوف، ويغدو الموروث الشفهي وسيلة لفهم عالمٍ واسعٍ لا يكشف أسراره بسهولة.

إنها قصة امتزج فيها العلم بالأسطورة والذاكرة الجماعية بالتجربة لتظّل محفورة في وجدان أهل البحر حتى يومنا هذا.

ورغم كُل ما قيل يبقى الأمان نعمة مَنَّ الله بها علينا، فهل نُحسن استخدامها ؟ رزقنا الطمأنينة ووهبنا السلام، فلماذا نُعرض عنهما ونسلك دروب المخاطر التي لا طائل منها؟

أليس من الأجدر أن ندعو لسلامة أرواحنا وأيامنا كما دعونا لـ«سلامة» تلك المرأة التي خلدّها الموروث؟

وقديماً قال الشاعر:

إنَّ السلامةَ مِنْ سَلمى وَجارَتِها

أنْ لا تَمُرَ بِحالٍ في بَوادِيها