يأتي كتاب (الحكاية الشعبية في دولة الإمارات – مقاربة بين المحلية والعالمية)، للكاتبة والباحثة الإماراتية الراحلة، مريم جمعة فرج، من ضمن الدراسات القيمة التي أصدرتها إدارة البحوث والدراسات بمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث لعام 2016، حيث يرصد موضوعة جوهرية مهمة، ويحتوي معلومات نوعية، إذ يقع ضمن سياق أهم الدراسات التي تطلبت جهوداً كبيرة في إبرازه وتقديمه للقراء بما فيه من تنوع بميادينه المختلفة ومجالاته الفسيحة التي يتسع الحديث عنها، وتهم الباحثين والمختصين من الذين يفهمون مرامي تراث الإمارات ويدركون إيماءاته.

ويخلص الكتاب إلى أن الحكاية ليست مجرد أداة ترفيه، بل تمثل وعاء ثقافياً وفكرياً يربط الماضي بالمستقبل، ويمكّن من التأمل والتفكر في تجارب الآخرين والذات، مما يعزز الوعي بالهوية والاختلاف ضمن إطار إنساني شامل؛ كما أن الحكاية الشعبية هي سجل ثقافي وإنساني حيّ تتقاطع فيها التجارب الفردية والجمعية عبر التاريخ.

شجرة ضخمة

تتمثل الفكرة الرئيسية التي تناولها الكتاب، في أن الحكاية الشعبية تُعد نتاجاً لتجربة إنسانية ممتدة ومتنوعة، تتوارثها الشعوب جيلاً بعد جيل، ما جعلها تُشكل (شجرة ضخمة) لها جذور عميقة في الذاكرة الجمعية والثقافية. وبطبيعة الحال، فإن لكل شعب نسخته الخاصة من الحكايات، ولكنها تتشابه في كثير من عناصرها، ما يعكس وحدة التجربة الإنسانية رغم اختلاف البيئات.

ويتطرق الكتاب، إلى الحكاية الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة، من جوانب عدة، مبيناً أنها على جانب كبير من الأهمية باعتبارها بوجه عام أدباً له وظيفة نسقية ثقافية، علاوة على فنّياتها وجمالياتها.

وتوضح الكاتبة الراحلة أن الحكاية هذه بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة، وأنها جهدت في دراستها لمقاربتها من خلال استخدام منهجية ثقافية قائمة على ربطها بسياقها الثقافي لتحليل العناصر والدلالات المتصلة بالتشابه والاختلاف فيما بين النصوص المحلية المختارة، وبينها وبين نصوص خليجية وعربية وعالمية، وما إذا كان أيٌّ من التشابه أو الاختلاف يشكّل عنصراً للتقارب أو التنافر والعزلة.

أبعاد إنسانية

يشتمل الكتاب على مقدمة تحليلية وفكرية في بدايته، ويعد هذا المبحث متخصصاً بالحكاية الشعبية الإماراتية، إلا أنه أيضاً، يُركز على الأبعاد الإنسانية المشتركة في تجارب البشر، ويطرح تساؤلاً رئيسياً: إلى أي مدى تتشابه تجاربنا الإنسانية؟

وتجيب محاور البحث عن السؤال، بأن التشابه أولاً يكمن في الفكرة الرئيسية، فالإنسان يميل إلى تكرار الأسئلة الوجودية رغم اختلاف بيئاته وثقافاته، مثل: من نحن؟ ولماذا نحن هنا؟ وهناك أيضاً، الدور الذي تلعبه الحكايات الشعبية، فهي ليست مجرد تسلية بل وسيلة الإنسان لفهم العالم ومحيطه، وتعكس خصائص مجتمعه ومعتقداته وقيمه، وتظهر بوضوح العلاقة بين الفرد والمجتمع والطبيعة والأسرة. لقد حاول الكتاب، أن يلم بكافة جوانب هذا الموضوع، من خلال أبحاث تفصيلية موسعة وخلاصات جوهرية، من بين أبرزها، أن الحكاية الشعبية ليست مجرد رواية تُحكى بل هي مرآة للمجتمع وتحمل في طياتها القيم والرموز والأفكار وتدل على المعتقدات والوعي الجمعي. كما أن الباحثين يرون أن الحكايات تتشابه عالمياً نتيجة تشابه الظروف الإنسانية الأساسية، مما يجعل دراستها مهمة في فهم الإنسان والمجتمعات.

خيال

وعلى صعيد ماهيّة الحكاية الشعبية، فتؤكد الدراسة أنها عبارة عن سرد بسيط، يُنقل شفهياً، وغالباً ما يكون مجهول المؤلف، تتوارثه الأجيال ويعكس الخيال الشعبي ويستخدم للتسلية أو التعليم أو الموعظة .

وتفيد نتائج الدراسة أيضاً، بأن الحكايات تختلف في التفاصيل ولكنها تتشابه في الأصول والأهداف، ما يؤكد وجود بنية رمزية واحدة تفسر تشابه الحكايات عالمياً رغم تنوعها. وتشدد على أهمية الدراسة المقارنة بين الحكايات من مختلف الثقافات والبيئات، بهدف فهم الأصول المشتركة والوظائف المتعددة لهذه الحكايات.

تحليل الاختلافات

يمثل هذا الكتاب، في العموم، مبحثاً مهماً في الميدان، يرمي أي أغراض عدة، على رأسها: توسيع الدراسات الأدبية بالمجال عبر تسليط الضوء على الحكايات الشعبية وتحليلها علمياً لفهم وظائفها وأبعادها الثقافية، واستخدام المناهج الحديثة لدراسة الحكاية باعتبارها نظاماً دلالياً اجتماعياً يعكس الوعي الجماعي، (حيث يتم تحليل الشخصيات والرموز والاختلافات الثقافية بداخل النصوص الإماراتية والخليجية والعربية). وثالثاً، وأخيراً، تحليل الاختلاف والتشابه بين الحكايات الشعبية في ضوء نماذج مختارة، ذلك مع محاولة فهم الوظيفة الرمزية لهذه الحكايات.