ثمة لحظات لا تُنسى، نظرات مبهمة، أبواب تُغلق وحدها، وهمسات تظهر في الصمت. هناك من يمرّ بها عابراً، وهناك من ينسج منها عالماً من الغموض والتساؤلات.
وبين الواقع والخيال، ينسج عبدالله الكعبي عوالمه الأدبية بتفاصيل خفية ونظرات غامضة، فيحوّل لحظاتنا اليومية إلى مشاهد من الرعب الهادئ الذي يتسلل دون استئذان. كاتب اختار أن يرسم الخوف بالكلمات، ويحلم أن يراه مرسوماً بالخطوط والظلال، في صفحات «المانجا» و«الكوميكس».
«البيان» التقت الكاتب عبدالله الكعبي، ليأخذنا في جولة داخل عالمه الخاص في الكتابة، حيث تتقاطع التفاصيل اليومية مع الخيال، ويولد الرعب من أبسط المواقف وأكثرها واقعية، بدأ الكعبي حديثه بالإشارة إلى أن رحلته مع الكتابة انطلقت في عام 2004، عندما كتب أول قصة قصيرة، لكنها لم تُنشر. وأوضح أن هذه القصة كانت مستوحاة من الحكايات التي اعتاد سماعها من والده، والتي تصوّر الحياة كما كانت قبل السبعينيات، بكل ما فيها من بساطة وغموض.
وعن انجذابه لأدب الرعب والغموض، قال إن حبه لهذا النوع الأدبي نشأ من ولعه بقصص وأفلام الرعب، إلا أنه كان دائماً يشعر بأنها تفتقر إلى الرعب الحقيقي، إذ تميل إلى الخيال المبالغ فيه ولا تعكس الرهبة التي قد نشعر بها في تفاصيل حياتنا اليومية. ولهذا السبب قرر أن يكتب عمّا يراه مرعباً في الواقع، من مشاهد وأحداث نمر بها جميعاً دون أن نوليها اهتماماً كافياً.
وأشار إلى أن الإلهام لكتابة هذه القصص ينبع من الأمور التي لا نفهمها أو لا نملك تفسيراً منطقياً لها، مثل نظرة غريبة من عابر، أو باب يُغلق فجأة، أو حلم يعود ويتكرر، وقال: لا أعتقد بوجود حدث معين شكّل منعطفاً للكتابة في هذا المجال، بل إن تجربتي الأدبية تراكمت بشكل طبيعي مع مرور الوقت، كما أن الطفولة كانت مليئة بلحظات الرعب الصغيرة التي لا تُنسى، مثل الظلال، والأصوات الغريبة، وانكماش الأشياء بفعل الحرارة، وحتى الأصوات التي يصدرها أحدهم أثناء النوم. وذكر أن هناك تجربة بقيت عالقة في ذاكرته منذ الصغر، وقد وثّقها في كتاب «المسّ»، ضمن قصة تحمل عنوان «الظل الأسود»، مؤكداً أنها واحدة من أكثر اللحظات التي أثرت في مسيرته.
وفي ما يخص أسلوبه في الكتابة، أشار إلى أنه يؤمن بأن الرعب الحقيقي يجب أن يكون واقعياً ويمكن تصديقه، لذلك يسعى جاهداً إلى الابتعاد عن المبالغة والخيال المفرط، ليجعل قصصه أقرب إلى القارئ، وأوضح الكعبي أن أهم التحديات التي واجهها أثناء الكتابة باختصار «ضيق الوقت» فهو العائق الأكبر الذي يواجهه، مشيراً إلى أنه غالباً ما يتمنى لو امتلك وقتاً أطول لصياغة أفكاره وتنقيحها.
وفي ما يتعلّق بتأثره بالكتّاب الآخرين، أوضح أنه لا يشعر بأنه تأثر بأسلوب كاتب معين بشكل مباشر، لكنه في الوقت ذاته تعلّم الكثير من خلال قراءاته المتنوعة، واكتسب من كل كاتب شيئاً من تقنيات السرد وأساليب التعبير، وعن تفاعل القراء مع إصداراته قال: القراء يمثلون مرآة القصص، فبعضهم يرى نفسه في الأحداث، وآخرون يرون ما يخشونه. واستعاد موقفاً لا يُنسى من أحد القراء الذي أرسل له رسالة قال فيها إنه بعد قراءة كتاب «الخوف» بدأ يسمع همسات بالقرب من أذنه، وهو ما عده دليلاً على التأثير العميق الذي تتركه القصة.
