أصدر مركز أبوظبي للغة العربية، التابع لدائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، ضمن مشروع «كلمة» للترجمة، كتاب «رحلات الاكتشاف» للمؤلف البريطاني توني رايس. وقد نقله إلى العربية الدكتور محمد زياد كبة، وراجع ترجمته محمد فتحي خضر.

يأخذ الكتاب القارئ في جولة بانورامية بين أروقة متحف التاريخ الطبيعي في لندن، لا بوصفه مكاناً لعرض الأحافير والعينات فحسب، بل لكونه مساحة حية تسكنها سِيَر من شكلوا المعرفة الحديثة بعزيمتهم، وشغفهم، وكرسوا حياتهم لرحلات استكشافية مهدت الطريق أمام مفاهيم علمية غيرت نظرتنا إلى أنفسنا، وإلى الكوكب الذي نعيش عليه.

يستعرض الكتاب على امتداد فصوله الملامح الأساسية لرحلات المستكشفين وعلماء الطبيعة الذين سبقوا عصر التكنولوجيا الحديثة، حين كان الاكتشاف مغامرة محفوفة بالمخاطر، وكانت الأدوات العلمية الأولى مجرد ريشة ودفتر ورقي ورسومات يدوية. وباستخدام تلك الأدوات البسيطة، وضعت أولى نظريات الوراثة والتطور والنشوء، وأسست لفهم جديد للتنوع الحيوي، ولمكانة الإنسان ضمن نسيج الحياة.

يخصص توني رايس حيزاً مهماً من السرد لأبطال مجهولين، ورسامين وعلماء وفنانين، لولا تفانيهم لما توفرت لنا المادة البصرية والمعرفية التي ننهل منها اليوم. ومن بينهم ماريا سيبيلا ماريان، التي سافرت إلى سورينام في عام 1699 لتوثق حياة الفراشات، وويليام بارترم، الذي صور نباتات أمريكا الشمالية وحيواناتها متبعاً منهجاً علمياً وفنياً دقيقاً.

ويسلط الكتاب الضوء على تجارب فنية بارزة رافقت الرحلات الكبرى، مثل تجربة سيدني باركنسن الذي شارك في بعثة الكابتن كوك الأولى على متن السفينة «إندفور»، وجورج فورستر في الرحلة الثانية على متن «ريزليوشن»، وفرديناند باور الذي عرف كأحد أبرز رسامي التاريخ الطبيعي خلال رحلته مع ماثيو فلندرز على متن السفينة «إنفستغيتر».

ويمضي المؤلف في استعراض رحلة داروين الشهيرة على متن السفينة «بيغل»، باعتبارها علامة فارقة في تاريخ العلم. ويشير إلى أن كثيراً من نتائج تلك الرحلة لم تكن لتصاغ لولا الجهود البصرية والفنية التي سبقتها، ومكنت العلماء مثل ألفرد رسل والاس وهنري ولتر بيتس من تثبيت مفاهيم الانتخاب الطبيعي.

ويبرز الكتاب كذلك إسهامات السير هانز سلون، ولا سيما ما جمعه من عينات في جامايكا، ومن بينها أول تعريف علمي للشوكولاتة بالحليب، وتوثيقه المبكر لتاريخ الجزيرة الطبيعي.

يمتاز أسلوب توني رايس بالدقة العلمية والوضوح، ويكشف عن وعي تأريخي ومعرفي حاد لطبيعة العمل العلمي في بداياته، والظروف التي شكلت مساراته، بما يجعل من «رحلات الاكتشاف» كتاباً في تاريخ العلم كما هو في سردياته الثقافية والفنية.