يبقى المسرح جوهر وقلب الحكاية في تفاصيل الحياة الثقافية بدبي، إذ تبادر الجهات الرسمية والمجتمعية كافة إلى مده بألوان الألق المتجدد المواكب لسياقات تطور الحياة، وبهذا يبرز مؤثراً في حضوره وأبعاده، فيثري مهارات الأجيال الشابة، ويكرس قيمة الفن والإبداع. وتتبدى من بين كوكبة المبادرات والفعاليات المتخصصة في هذا الميدان ورش التأهيل والتدريب المسرحية، والتي من بين أمثلتها الأهم ورشتان نظمهما أخيراً، مسرح دبي الأهلي، تحت عنواني: «الأداء المسرحي للكبار» و«إعداد الممثل للصغار»، إذ أشرف عليهما الفنانان عبد الله صالح الرميثي، وعبد الله بن لندن، وأضاءتا على الإقبال المتزايد في المجتمع نحو المسرح والثقافة المسرحية، حيث يتشابه بذا ويشترك الكبار والصغار، كما ركزت الورشتان على كيفية الاستثمار الأجدى في الطاقات الفنية المسرحية.
«البيان» شهدت فعاليات الورشتين، وتحدثت إلى المعنيين والمشاركين فيهما، الذين أكدوا في تصريحاتهم أن هذه الفعالية تمثل جزءاً من حالة النهضة الثقافية الشاملة، التي تشهدها دبي في مختلف المجالات، لا سيما في مجال منظومة الاقتصاد الإبداعي والحراك الثقافي.
ثقافة مسرحية
وقال الفنان عبد الله صالح، إن هذه الفعالية تأتي في سياق الحراك المسرحي الثري في الإمارة، وهي تعزز مكانة وموقع المسرح والمسرحيين في منظومة الاقتصاد الإبداعي في دبي، التي من شأنها أن تحدث نقلة نوعية في المسرح المحلي، بما يؤهله لأن يكون منافساً لبقية الحقول، ونيل الشعبية، والحضور الكبير المؤثر في شتى دور العرض المرموقة بدبي.
وأشار صالح إلى أن الورشة انطلقت 21 يونيو الماضي، واستمرت إلى (12 يوليو الجاري)، إذ بدأت بـ 15 مشاركاً (انسحب بعضهم لظروف خاصة، لاحقاً)، لافتاً إلى أن أعمار المشاركين تراوحت بين الـ 14 والـ 30 عاماً، ومن جنسيات عربية مختلفة، وذلك شجع على التفكير بنسج توليفة مختلفة من التعاون الفني على الخشبة، وفي إنتاج عمل كان معتمداً على فكرة الشباب المتدربين، وبشكل كبير على ارتجالهم، بالإضافة إلى دورة الأطفال الأصغر سناً، والتي تبدأ من سن 5 سنوات والتي لقيت إقبالاً ونجاحاً كبيرين.
وتطرق الفنان عبد الله صالح إلى برنامج الورشة: «عملنا خلال الأسبوعين الأولين على تمارين في فن الارتجال وفن التخيل، واستطعنا خلال هذه الفترة استكشاف مواهب المشاركين، وبالنتيجة كان لدينا مجموعة جيدة التأهيل، ساعدتنا على التفكير بطريقة ما لدمجها في فريق يؤدي عملاً محدداً، وتعمدت أن يأتي العمل بأسلوب الارتجال، وبجهد رئيسي من المشاركين، وطبعاً هذه الطريقة تتطلب وقتاً، ولكن وكونه كانت لدينا مجموعة مميزة من المشاركين جاءت النتيجة طيبة.
ولفت صالح إلى أن الورشة تضمنت التدريب على المهارات المسرحية اللازمة، كما ركزت على المعارف المسرحية والثقافة المسرحية بشكل عام، بما يخلق إنساناً مؤهلاً على الأقل من الناحية الثقافية، لمزاولة النشاط المسرحي واستيعابه، ولكن كان من أهم ما حصل هو استكشاف المواهب. وأضاف: «أنا على ثقة بأن من مروا بهذه التجربة سيسلكون واحداً من دروب الفن المتعددة».
مستوى جديد
بدوره قال الفنان مروان عبد الله صالح، رئيس مجلس إدارة مسرح دبي الأهلي: «يحرص مسرح دبي الأهلي في كل عام، وبالتعاون مع الجهات المتنوعة، أو بمجهودنا الذاتي، على إقامة مثل هذه الورش التدريبية، واعتدنا ألا تقتصر على الأداء الحركي أو الموسيقى، أو التأليف، وقررنا أن ننتقل إلى مستوى جديد، يتعامل مع أعمار وقدرات مختلفة، لا سيما في التمثيل، حيث هناك دائماً مستويات متنوعة، لكل مستوى منها حاجاته الخاصة، حيث إن المبتدئين يختلفون في حاجاتهم عن المحترفين مثلاً».
وتابع: «بناء على ذلك نعمل على تصميم ورشات مستقلة لكل فئة، ولدينا اهتمام خاص بالمحترفين، فهم دائماً يحتاجون لمواكبة الجديد، واختبار قدراتهم وتنميتها باستمرار عبر تمرينها من خلال هكذا ورش، وعموماً يدرك المحترفون أهمية ذلك، حيث لدينا أجيال من المسرحيين طوروا قدراتهم وصقلوا تجاربهم، عبر مثل هذه الورش». وأكد أن هذا يجعل من المشهد المسرحي جزءاً من حالة النهضة الشاملة، التي تشهدها دبي في مختلف المجالات، لا سيما في مجال منظومة الاقتصاد الإبداعي.
ولفت مروان عبدالله صالح إلى تجربة والده الفنان عبد الله صالح في إقامة وتنظيم مثل هذه الورش، ودورها في تنمية المشهد المسرحي، فقال: «تعد تجربة الفنان عبد الله صالح مثالاً على أهمية هذه الورش للفن والفنان المسرحي عموماً، ولا أقول هذا لأنه والدي، بل للنتائج التي خرجت بها الدورات والورش، التي كان يقيمها عبر السنين، لقد تخرجت أجيال من تحت يديه ويدي الدكتور حبيب غلوم والفنان الكويتي داوود حسين».
وحول مدى قدرة المشتركين في هذه الورش على الاستمرارية قال: «هذه مسألة مهمة، ولكنها متعلقة بالدرجة الأولى بنظرة المشتركين، بعضهم يعتقد أن هذه الدورات والورش يجب أن تصنع منه نجماً مباشرة في اليوم التالي لإنهاء الورشة، وهذا حتماً غير واقعي، فنحن هنا لا نتحدث عن «وجبات سريعة»، بل عن منح المشترك المفاتيح اللازمة للانطلاق في عالم الفن المسرحي، عبر المعرفة والاحتكاك بخبرات المحترفين، ومن الجيد أن لدينا عدداً من المشاركين الجاهزين للانخراط في الأنشطة الاحترافية عبر أعمال المهرجانات».
تجربة وفرصة
ورصدت «البيان» من بين المشاركين بالورشة رأي المتدربة ميّ البدري، التي شددت على أهمية الورش التدريبية في اختبار قدرات المشاركين وصقل مواهبهم، بما يساعدهم على اتخاذ قراراتهم المستقبلية، وقالت: «لأول مرة التحق بدورة الفنان عبد الله صالح، وهي تجربة مهمة بالنسبة لي، فقد كنت دائماً أعتقد أن من الصعوبة بمكان أن أحقق شيئاً في المجال الفني، فكنت أقترب أحياناً وأهتم، ولكنني في النهاية كنت أبتعد، أما الآن فأنتظر أن أظهر في عمل أول، وإن شاء الله تكون هذه فرصة لإثبات نفسي في هذا المجال».
وحول الصعوبات التي تعترض المشاركين في الورشة التدريبية، قالت: ««لا صعوبات، بل على العكس متعة كبيرة، لأننا نتعلم في كل لحظة، وبطريقة مميزة، فالتجربة لم تكن مجرد تدريب عملي، بل هناك الكثير من التعلم السلس والمعرفة، بالإضافة إلى أن الاحتكاك بتجربة مثل تجربة الفنان عبد الله صالح فهي بحد ذاتها قيمة كبيرة». وأشارت إلى أن الدعم الذي تقدمه الحكومة الرشيدة للمبدعين، من مواطنين ومقيمين، يعزز من ثراء وتنوع منظومة الاقتصاد الإبداعي، التي تحظى باهتمام خاص من الجهات المعنية.
