تعد الأنهار الجوية من أكثر الظواهر الجوية إثارة وإبهاراً في عالم الطقس والمناخ. فهي عبارة عن تيارات ضخمة من بخار الماء تتحرك عبر الغلاف الجوي، تحمل كميات هائلة من الرطوبة، وتؤثر بشكل مباشر على هطول الأمطار والفيضانات في المناطق التي تمر فوقها. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة طبيعية، فإن تأثيرها قد يكون مذهلاً، حيث يمكن لها أن تغير الطقس بشكل سريع وتسبب أحداثًا جوية قوية وغير متوقعة، من أمطار غزيرة في بعض المناطق إلى موجات جفاف في مناطق أخرى. ومع تزايد التقلبات المناخية العالمية، أصبح فهم الأنهار الجوية ومراقبتها أمرًا بالغ الأهمية للتنبؤ بالطقس والتخطيط لمواجهة الكوارث الطبيعية.

و"الأنهار الجوية" أو Atmospheric Rivers، هي قنوات طويلة وضيقة من الرطوبة المجمعة في الغلاف الجوي، تحمل كميات هائلة من المياه، وتتحرك بسرعة عبر مناطق واسعة، مسببة تغييرات كبيرة في الطقس حول العالم. وقد أظهرت دراسات حديثة أن هذه الظاهرة بدأت تتغير بشكل ملحوظ، مع انعكاسات ملموسة على أنماط الهطول والجفاف ودرجات الحرارة.

عزا مؤلفا دراسة نشرت مؤخراً، تشي لي وتشينغهوا دينغ، السبب الرئيسي لهذه التحولات إلى انخفاض درجات حرارة المحيطات في شرق المحيط الهادئ الاستوائي. وأوضح الباحثان أن هذا التبريد الطويل الأمد أفرز تغييرات كبيرة في دوران الغلاف الجوي، ما أدى إلى تحويل مسار التيارات النفاثة التي توجه الأنهار الجوية. وغالبًا ما ترتبط هذه التحولات بظروف مشابهة لظاهرة "النينيا"، حيث تصبح مياه المحيط الهادئ أبرد من المعتاد، ما يغير أنماط الطقس العالمية.

كيف تعمل الأنهار الجوية؟

الآلية بسيطة نسبياً لكنها ذات تأثير كبير، عندما تنخفض درجات حرارة سطح البحر في شرق المحيط الهادئ، تتغير أنماط الهطول الاستوائي، ويُنشأ ضغط مرتفع عند خطوط العرض المتوسطة. هذا الضغط يدفع الأنهار الجوية نحو القطبين، فتزداد وتيرة الأمطار في بعض المناطق، بينما تقل في مناطق أخرى. وتشير دراسة لي ودينغ إلى أن وتيرة الأنهار الجوية قد ازدادت على طول خطي عرض 50 درجة شمالًا و50 درجة جنوبًا منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، في حين انخفضت على طول خطي عرض 30 درجة شمالًا و30 درجة جنوبًا.

معظم هذه التغيرات طبيعية، لكنها تتفاعل مع تأثيرات التغير المناخي. فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تصبح الأجواء أكثر قدرة على الاحتفاظ بالرطوبة، ما يعني أن الأنهار الجوية قد تجلب أمطارًا غزيرة أكثر من أي وقت مضى، مهددة بحدوث فيضانات واسعة في بعض المناطق.

التأثيرات العالمية للأنهار الجوية

عواقب هذه التحولات ليست محصورة في كمية الأمطار فقط. على سبيل المثال، قد تشهد مناطق مثل كاليفورنيا فترات جفاف أشد، بينما قد تواجه مناطق مثل ألاسكا وكولومبيا البريطانية هطول أمطار غزيرة أكثر تواترًا.

وتوضح دراسة منشورة في "Science Advances" أن تواتر الأنهار الجوية في خطوط العرض العليا قد يتضاعف بحلول عام 2100 إذا استمرت الانبعاثات العالية للغازات الدفيئة، مما قد يؤدي إلى زيادة ذوبان الجليد في القطب الشمالي ورفع مستوى سطح البحر. وهذا يشكل تهديدًا إضافيًا للمناطق الساحلية حول العالم.

التحديات أمام البنية التحتية

أحد أكبر الأسئلة التي تواجه خبراء الطقس والمخططين العمرانيين هو مدى قدرة البنية التحتية الحالية على مواجهة هذه التغيرات. فقد لا تكون الخزانات المائية مصممة للتعامل مع كميات الأمطار الكبيرة، وقد تصبح خرائط الفيضانات القائمة على بيانات قديمة غير مناسبة، مما يزيد من خطر الفيضانات والكوارث الطبيعية. مع استمرار تحرك الأنهار الجوية وتغير مساراتها، قد تحتاج المدن والأنظمة المائية إلى تحديث استراتيجياتها وخططها للتكيف مع هذه الظروف الجديدة.

أهمية الفهم المبكر

فهم تحولات الأنهار الجوية ليس علمًا فحسب، بل ضرورة لمواجهة التغير المناخي بشكل فعال. يمكن للباحثين وخبراء الأرصاد الجوية من خلال مراقبة هذه الظواهر ووضع نماذج دقيقة، التنبؤ بالأمطار الغزيرة والجفاف، وتوجيه خطط البنية التحتية بشكل أفضل. في عالم يشهد تغيرات مناخية سريعة، تصبح القدرة على التكيف مع الأنهار الجوية محورًا أساسيًا للحفاظ على حياة البشر والممتلكات.