هل يحتوي جسم الإنسان على ساعة تعمل وتتحرك بانتظام؟! أين تقع هذه الساعة وكيف تنشأ؟! هل هذه الساعة دائمة الحركة أم أنها معرضة للخلل أو التوقف؟ كيف تعمل هذه الساعة في مختلف الأوقات وشتى الظروف؟! هل لهذه الساعة وحركتها آثار في صحة الإنسان وحياته؟! هل يمكن استعمال أو استغلال حركتها لتحقيق حياة صحية أفضل؟! ولكن، من يحرّك هذه الساعة ومن يوقفها؟!
تتكاثر الأسئلة حالياً في الأوساط العلمية والبحثية المتخصصة حول مفهوم الساعة البيولوجية الذي ظهر حديثاً في عالمنا المعاصر، والذي ثبت وجوده في عالم الإنسان وعالم الحيوان وعالم النبات بدرجات متفاوتة ولأهداف متنوعة. وتتفرع هذه الأسئلة الكبيرة إلى أسئلة متشعبة أخرى تطرح تساؤلات عدة حول علاقة الساعة البيولوجية بصحة الإنسان في الحاضر وفي المستقبل.
أجمع العلماء والباحثون على أن الساعة البيولوجية للإنسان هي جهاز حساس وغامض وغير محدد الشكل والهيئة والصفات، يقوم بتنظيم إيقاع الحياة اليومية ويتحكم بالتمثيل الغذائي والسلوك والنوم والسهر، ويعطي الإنسان الشعور بالزمن، إضافة إلى أدوار أخرى كالقيام بتنبيه الإنسان لأوقات اليقظة والحاجة لتناول الطعام، وغيرها من النشاطات الحيوية الروتينية.
تأثير
يظهر أثر الساعة البيولوجية في صحة الإنسان بشكل واضح ومبدئي عندما يختلّ إيقاع الإنسان الحياتي لسبب ما، كاضطرابات النوم والسفر الطويل والمناوبات الليلية، كما أن هناك ارتباطاً واضحاً بين الساعة البيولوجية للإنسان ودورة النور والظلام على سطح الأرض.
يعتقد الباحثون حالياً أن منشأ الساعة البيولوجية ومكانها الطبيعي هو في منطقة محددة في وسط الدماغ، تعرف بالنواة فوق التصالبية تقع فوق نقطة التقاء العصبين البصريين في قاع الجمجمة، وتتكون هذه النواة من خلايا عصبية متخصصة ملتصقة ببعضها البعض تتوزع على جبهتين منفصلتين ومتساويتين من نحو عشرة آلاف خلية، واحدة في النصف الأيمن من المخ والأخرى في النصف الأيسر.
نظام معقد
وتعمل الساعة البيولوجية وتتحرك عبر نظام معقد من شبكات الخلايا العصبية التي تقوم بتنظيم الجداول الزمنية عبر التنسيق مع بقية الخلايا وتحديد الأنشطة الجسمانية اليومية والفعاليات البيولوجية الروتينية. كما يرتبط عمل هذه النواة أيضاً بالضوء الذي يؤثر فيها بسبب وجودها فوق نقطة التقاء العصبين البصريين. يعتقد الباحثون أن هذا الضوء يقوم بتحفيز الخلايا العصبية في النواة بهدف تحقيق التناغم بين الساعة البيولوجية وتعاقب الليل والنهار.
توصل العلماء، أخيراً، إلى اكتشاف ما يعتقد أنها الجينات المسؤولة عن عمل الساعة البيولوجية، والتي تقوم بضبطها بشكل دقيق وتحديد مسارها اليومي وجدولها العملي المعتاد.
وقد ساعد اكتشاف هذه الجينات الموروثة على بدء عمليات البحث عن سبل ناجعة لتشخيص وعلاج الأمراض الناتجة عن خلل الساعة البيولوجية كالأرق وغيره، كما فتح باباً واسعاً أمام الباحثين للتأكد من النظريات التي نشأت في السنوات الماضية حول احتمال تسبب الاضطرابات في عمل الساعة البيولوجية في ظهور أمراض خطرة كالسرطان في مجموعات محددة من الأفراد العاملين كالممرضات والمضيفات بسبب طبيعة عملهنّ المرتكز على المناوبات الليلية.
وفي الآونة الأخيرة ظهرت دراسات جديدة حاولت الإيحاء بأنه يمكن مواجهة الأمراض السرطانية بـ«التحايل» على خلاياها الخبيثة (بهدف تسهيل أو تسريع «قتلها») عبر تعديلات معيّنة في الساعة البيولوجية للجسم المصاب بالورم.
أسهم مفهوم الساعة البيولوجية في تطور الأبحاث والدراسات حول تحسين نوعية الحياة اليومية التي يعيشها الإنسان وتحسين شروط نشاطاته اليومية، كما أسهم في فتح آفاق جديدة واستكشاف سبل حديثة في مجالات تشخيص وعلاج بعض الأمراض الصعبة والمزمنة.
استشاري أمراض الأنسجة والخلايا ورئيس شعبة أمراض الأنسجة بمستشفى دبي
