ارتحلت مصممة المجوهرات التونسية مريم الرحال بخيالها الذي وثّق بدقة العديد من العصور لتزور مدن الفنون وتاريخها، بحثاً عن جوهر الأصالة المعتق بالانتماء لعروبتها في كل مجموعة تقدمها بحرفية واتقان الصانع المفكر في مستقبل مصوغات تراثية بدأت أمجادها مع الفتوحات الإسلامية ولم يكن ذلك انحيازا منها لحقبة ما، بقدر ما كان شغفا بتعدد وروعة فنونها التي ولفت بوتقة من الجمال الساحر عبرت ابواب الحرير بحثا عن التفرد.
يدرك المتأمل لفنون المجوهرات التي تصيغها مريم الرحال مدى عنايتها بصغر حجم المكونات مع دقة التفاصيل وتوازن التصميم. وتعليقا على ذلك تقول: الفنون الإسلامية الأصيلة لا تقطع الوصل مع السابق، بقدر ما تعطي للاحق.
في تحاور مدهش مع الفنون غير الاسلامية غربا وشرقا نرى ذلك في استخدام موتيفة التوريق أي استخدام أشكال أوراق الأشجار أو أنصاف الأوراق. أو لصياغة التزهير أي بأشكال الزهور بزخرفة معقدة مدروسة. وفي منتصف القرن الحادي عشر دخل على استحياء العنصر البشري والحيواني على التكوين.
حرفة كلاسيكية
وتضيف مريم ان الإثارة الكاملة للأناقة والفخامة التي تشد الأنفاس وتلف تصاميمها تعود الى العلاقة الحميمة التي ربطت المجوهرات بعوالم تراثية واثنية وهي المطلوبة أكثر في وقت من الأوقات، فقد مرت السنوات، وبدأت المجوهرات الرفيعة تفقد صلتها بعالم الموضة المعاصرة، لأن تصاميمها بقيت متمسكة بالكلاسيكية وتعتمد على بريق الاحجار أكثر مما تهتم بالتصميم العصري. وهكذا، بحلول السبعينات بدأت الأطقم الذهبية المطعمة بالأحجار تتراجع وتفقد جاذبيتها في عيون المرأة الشابة.
فهذه الأخيرة ربطتها في مخيلتها بموضة الجدات والأمهات، وأصبحت ترمز بالنسبة لها إلى حقبة ولت لا تخاطب جيلها أو تمس وجدانه. وتضيف مريم إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المجوهرات مسألة عاطفية بحتة، تشعل الرغبة وتثير الحب والإعجاب وما شابه ذلك من مشاعر.
في الثمانينات، بدأ الذهب يستعيد قوته، بفضل الموضة، ومنذ بداية التسعينات استعادت المجوهرات مجدها القديم، والفضل هنا يعود أيضا إلى جيل من الصاغة والمصممين، الذين انتبهوا إلى أنه بات عليهم أن ينزلوا من أبراجهم العالية ويتوددون لامرأة أصبحت قدراتها الشرائية كبيرة لا يضاهيها سوى رغبة محمومة في الحصول على قطع متميزة.
وترى مريم ان التاريخ المعتق بالقصص والروايات الأسطورية مادة لم تغب أبدا لم يفقد جاذبيته على مدى العصور وظل دائما يثير خيال كل الثقافات والحضارات التي مرت علينا ويحركها إلى اليوم ولا تنكر أنه اكتسب قوة أكبر في الآونة الأخيرة، وترد ذلك إلى أن المجوهرات نفسها اكتسبت قوة جعلت الجيل الجديد يقدر كل ما هو ثمين ونادر.
وتتابع مريم: التاريخ وفصوله المتعاقبة يلهم الإنسان، والجواهر عموما تشكل جزءا من حلم، وأجمل قطعة هي التي تحول هذا الحلم إلى حقيقة عندما تحصل عليها المرأة وترتديها باعتزاز، ففي المواسم الأخيرة، بدأت اهتم أكثر بمزج الذهب واللؤلؤ، رغم أن الأحجار الأخرى والذهب كانا ولا يزالان أكثر كلاسيكية وأكثر استعمالا.
والسبب حسب تفسيرها أنها تريد أن تعطي الذهب حقه من البريق عوض أن تغطيه بالأحجار المتنوعة، الأمر الذي يجعلها تبحث دائما عن طرق جديدة وأحجار مختلفة. وتشير مريم إلى أن هذه التصاميم لا تفقد المعادن المترفة قيمتها. بالعكس، فهي تضيف إليها مظهرا يبدو غير مبال يمنحها المزيد من السحر، شرط أن يكون التصميم مبتكرا في حدود معينة لا تحولها إلى صرعات مجنونة.
الخوف بالنسبة لها أن هناك مصممين أخذوا معنى الابتكار إلى حدود بعيدة، مما جعلها تبدو أقرب إلى الإكسسوارات منها إلى مجوهرات. فالتصميم العصري، كما تقول مريم يعني دراسة الشكل وربطه بعصره، لكن من دون أن يتجاهل أن هذه الخامات قديمة قدم التاريخ .
