يُختتم مساء اليوم بمدينة "كان" جنوبي فرنسا مهرجان "كان" السينمائي الدولي الخامس والستين، وسيُعلن رئيس لجنة التحكيم الدولية المخرج والممثل الايطالي نانّي موريتّي عن الفائز بالسعفة الذهبية وجائزة لجنة التحكيم الخاصة والجوائز الأخرى.
وتزيد التكهّنات باحتمال فوز فيلم "في الضباب" للأوكراني سيرغي لوتشنيتسا أو "وراء التلال" للروماني كريستيان مونجو، أو تقاسم المخرجين لأهم جائزتين في المهرجان، أي السعفة الذهبية وجائزة لجنة التحكيم الكبرى. وتزداد حظوظ النجمة الفرنسية الحسناء ماريون كوتيار للفوز بجائزة أفضل ممثلة عن دورها العسير في فيلم "صدأ وعظام" للفرنسي جاك أوديار.
ومن المؤكد أن اسم هذا الممثل دخل مفكرة أعضاء لجنة التحكيم منذ اللحظة الأولى لمشاهدة الفيلم، إلاّ أنه يواجه منافسة كبيرة من نجم كبير مثل الفرنسي جان لوي ترينتينيان والذي حضر المهرجان بدور في فيلم "حب" للمخرج النمساوي مايكل هانيكة. وقد تكون النتائج التي سيعلن عنها موريتّي مختلفة تماماً عمّا أذهب إليه، إلاّ أن ما شاهدناه في هذه الدورة من المهرجان أبرز هذه الأفلام وهؤلاء النجوم.
خطايا الآخرين
ربما لن تواجه لجنة التحكيم الدولية اعتراضات كبيرة إذا ما مَنحت جوائز المهرجان الأساسية إلى الأوكراني سيرغي لوشنيتسا أو إلى الروماني كريستيان مونجو، لأن هناك في أجواء المهرجان قناعة كبيرة في أن هذين الفيلمين هما أفضل ما شوهد فيه ويستحق كلا المخرجين جائزة كبيرة وكلاهما أنجز فيلمين رائعين يعبّران عن كنه السينما الحقيقية، دون رتوش أو فذلكات إخراجية أو مؤثرات خاصة.
ففيما كانت كاميرا مونجو، كعادته، بمستوى النظر، ولم تتعدّ انتقالاتها ما يربو على 25 حركة، فقد تمكن لوتشينتسا من تحريك تلك الكاميرا بأناة وعناية كبيرتين منحت عين المشاهد قدرة الرؤية دون تلصّص متحوّلاً إلى المراقب الأساسي لما يجري أمام ناظريه.
خيارات العودة
يستند كلا الفيلمين إلى ثلاثي بدأت بهم المأساة وتنتهي بهم. فها هو مونجو يقارب من جديد بين صديقتين حميمتين تسعى إحداها (آلينا - أدتها كريستينا فلوتير) إلى استعادة الأخرى (فويشيتا-أدّتها كوزمينا ستراتان) بعد أن تركت محل إقامتهما المشترك في برلين وعادت إلى رومانيا لتعيش في دير خلف التلال القريبة من العاصمة الرومانية بوخاريست.
لكن ثمة ثالثاً يحول دون إمكان العودة وتتمثّل بالدير الذي التجأت إليه المترهبنة، وباتت المؤسسة الدينية ممثلة براعي الدير حاجزاً بين الفتاتين. لكن الحب العميق الذي تحمله الفتاة القادمة من برلين لصديقتها يدفعها إلى الذهاب إلى أقصى الخيارات، أي التضحية بنفسها مصلوبة على صليب بدائي الصنع، بالضبط كما صُلب المسيح.
مأساة وخيانة
نفس الصليب يحمله المواطن البيلوروسي فلاديمير سوشينيا (أدّاه ببراعة فائقة فلاديمير سفيرسكي) الذي يعتبره الأنصار المناضلون ضد الاحتلال النازي خائناً، ويعاديه المحتل النازي وأعوانه من المتعاونين البيلوروسيين، لأنه رفض التعاون معهم، فيستنبط القائد النازي للمنطقة طريقة شريرة لعقابه بإبقائه على قيد الحياة دون شنقه مع زملائه في ساحة القرية، ليموت كل يوم عشرات المرات تحت وطأة الفضيحة والخوف.
وحين تحل لحظة تنفيذ حكم الاعدام به من قبل صديق طفولته بوروف- أدّاه سيرغي كوليسوف تبدأ المأساة الحقيقية، فبعد أن انتهى سوتشينيا من حفر قبره وقبل انطلاق تلك الرصاصة يُصاب بورف بطلق ناري من قبل الشرطة ترديه جريحاً.
حقائق وأحداث
وبدل أن يهرب سوتشنيا المتهم بالخيانة والمحكوم بالإعدام، يربأ بنفسه عن ابقاء رفيقه الجريح عرضة للموت البطيء ونهش الغربان التي تراقب احتضاره المتواتر، وتبدأ رحلة البحث عن طريقة لإيصال الجريح إلى مأوى آمن تحت رقابة بندقية النصير الآخر ( فويتيك- أدّاه فلاد إيفانوف)، ويحمل سوتشينيا صديق عمره الجريح على كتفه، بالضبط كما حمل المسيح صليبه في طريق الجُلجُلة.
وتتاح له فرصة رواية حقائق الأحداث التي وقعت وجعلت الشكوك تحوم حوله واتهامه بالخيانة وبالتسبب في إعدام ثلاثة من أبناء قريته، لكن الجرح الغائر بسبب الطلق الناري يودي بحياة الصديق ويحول دون الاستماع إلى تلك الشهادة، ولذا لن يكون بمقدوره الدفاع عنه أمام محكمة الأنصار.
أفضل ممثل
يُتوقّع أن ينال النجم المسرحي والسينمائي الفرنسي دينيس لافان عن دوره في فيلم "هولي موتورز" للفرنسي المتميّز ليوس كاراكس، أفضل ممثل، لتشابك وتعدّد الدور (أو الأدوار) التي أناطها إليه المخرج، والذي دلّل من خلاله علي قدرة تمثيلية عالية ورائعة ورحل بين شخصيات تداخلت فيما بينها وتقاطعت وتباينت عمراً وشكلاً وأدوات.
