نشرت منظمة مراسلون بلا حدود قبل سنوات دليلاً لكتاب المدونات ولمستعملي الشبكة الإفتراضية في العالم لمساعدتهم على حسن استغلال الوسائل الحديثة وتفادي كل أشكال الرقابة.

على الرغم من انتشارها الواسع على الشبكة، ظلت المدونات الإلكترونية (e-Blogs)، أو الـبلوغز محدودة جدا في العالم العربي.

وبعد بدايات محتشمة عشية اندلاع الحرب العراقية، شهدت الظاهرة طفرة كبيرة جسدتها بعض الساحات في المنطقة أولا، ثم توسعت لتشمل مشرق العالم العربي ومغربه والساحة المصرية في الفترة الأخيرة.وعلى الرغم من انتشارها التدريجي منذ بداية الألفية الثالثة، فالمدونات الإلكترونية (e-Blogs)، أو الـبلوغز، حظيت بالانتشار الكبير أثناء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على العراق.

وقد ظهرت، للمرة الأولى في التاريخ، المدونات الشخصية، (P-Blogs) التي يكتبها أفراد من داخل العراق سواء جنود الاحتلال أو العراقيين. يقدمون صورة أقرب للحقيقة، وأكثر تفصيلا لما يحدث على الأرض، ويركزون على الأحداث التي لم يشر إليها الإعلام التقليدي .وكان نيكولاس نيجروبونتي قد تنبأ في كتابه الحياة الرقمية ,الصادر عام 1995 بأن التطور التكنولوجي سيؤدي إلى أفول الإعلام الجماهيري وظهور الإعلام الشخصي كبديل له. وفي النصف الثاني من عام 2005 تحققت نبوءات نيجروبونتي إلى حد بعيد.

المدونات (blogs)، هي صفحة إنترنت تظهر عليها تدوينات (مدخلات) مؤرخة ومرتبة ترتيبا زمنيا تصاعديا، تصاحبها آلية لأرشفة المدخلات القديمة. ويكون لكل تدوينة عنوان دائم لا يتغير، مما يمكن القارئ من الرجوع إليها في وقت لاحق، كما أوردت موسوعة ويكيبيديا المجانية على الإنترنت.

وتمكن المدونات المستخدم من نشر ما يريد على الإنترنت، مع إمكانية حفظ ما ينشر بطريقة منظمة يمكن الرجوع إليها. كل هذا من خلال واجهة بسيطة، تكاد تماثل واجهات مواقع البريد الإلكتروني، ترفع عن كاهل المستخدم عبء التعقيدات التقنية المرتبطة عادة بهذا النوع من النشر، دون الحاجة للمعرفة بأي قاعدة من قواعد البرمجة أو أسس تصميم أو نشر صفحات الإنترنت.

ويوصف الـبلوغرز بأنهم مؤرخو العصر الذين يوثقون أدق تفصيلاته. وهؤلاء عبارة عن شرائح من الرجال والنساء الذين اشتركوا في خدمات بلوغز مما يتيح لهم تسجيل يومياتهم على مفكرات إلكترونية على شبكة الإنترنت بالطريقة التي يراها كل واحد منهم، وبثها بشكل مباشر ولحظة بلحظة، ليتسنى للآخرين في العالم الاطلاع عليها.

ويتسق أسلوب التأريخ عبر البلوغز مع مناخ الحرية السائد في الغرب، غير أن تراجع الحريات في أمريكا وأوروبا، أخذ يوقع بعض الـبلوغرز في فخ المتاعب القانونية وغير القانونية. ومن هؤلاء بائع الكتب البريطاني جو جوردون، 37 سنة، الذي فصل من عمله نتيجة ما كتبه على صفحة إحدى يومياته الإلكترونية، حيث وجه انتقاداً حاداً لمديره في العمل، فكان أن وصل الأمر إلى ذلك المدير وأمر بفصله عن العمل فوراً.

وقد أثار قرار الفصل الصادر بحق جوردون جدلاً واسعاً في بريطانيا، باعتبار أنه مؤشر خطير بالنسبة لآلاف كتاب المدونات المشاغبين الذين لا ينفكون عن توجيه الانتقادات اللاذعة سواء للسياسيين أو النجوم أو أرباب العمل. وتشير التقديرات إلى وجود نحو 5 ملايين بلوغر في العالم يكتبون عن يومياتهم بطرق شتى، مستفيدين من حرية التعبير على الشبكة ومما تتيحه من إمكانيات تقنية هائلة تشمل إضافة إلى الكلمة الصوت والصورة والفيديو.

إعلاميون جدد

يشير الخبراء إلى أن البلوغر أصبح أهم شيء موجود حاليا على شبكة الإنترنت، وذلك لأنه يمثل آراء الناس في أرض الواقع بدون تزييف. وميزته أنه مساحة مفتوحة يكتب فيها كل من يرغب دون اشتراط الخبرة أو الثقافة أو التخصص. والجميل حقا فيه أنه يمكنك من التعرف، ولأول مرة، على آراء الناس بوضوح شديد.

والمشارك في البلوغر هو الذي يصنع الرأي، ويصنع الإعلام، والبلوغرز بهذا المفهوم هم الصناع الجدد للإعلام أو هم الإعلاميون الجدد!!. وهي أكبر بكثير من المنتديات وساحات الحوار لأنها تحول المواطن من متلق للخبر أو المعلومة إلى منتج وصانع لها. وتعتبر المدونات أو مواقع البلوغر هي من أهم المواقع التي تهتم بها الحكومات، فتتابعها وتراقب كل ما يكتب بها، وتقوم بتحليلها، وفي الغرب يعرفون اتجاهات الرأي العام من مثل هذه الوسائل، وهناك مواقع بلوغرز للمعارضة.

ويعتبر البلوغ أو المدونة من أهم مصادر الأخبار لدى كثير من المثقفين، لكونه يرصد الواقع كما هو بدون تزيين أو تزييف، وقد بدا هذا واضحا خلال حوار الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل مع قناة الجزيرة الفضائية من خلال ثنائه على البلوغرز، حيث أشار إلى أنه يطالع بلوغر بهية (المصري) يوميا قبل أن يطالع نشرات الأخبار في الصحف والفضائيات!!.

 وعلى الرغم من أهمية البلوغ وانتشاره على الشبكة العنكبوتية فإن الاجتماع التحضيري لمؤتمر المعلوماتية في العالم العربي، والذي عقد في تونس أخيرا، لم يتعرض من قريب أو بعيد للأمر، اللهم إلا بعض المداخلات لعدد من الباحثين والناشطين الذين سجلوا هذا الموقف على أنه عيب وتقصير من مؤتمر بهذه الأهمية.

رسالة إعلامية

يقول أحد خبراء المعلوماتية في هذا الشأن: لابد أولا أن نفرق بين البلوغ الناطقة بالعربية، وتلك التي يكتبها أجانب ممن يقيمون في بعض الدول العربية..

والفارق بينها وبين المنتديات أو ساحات الحوار أن البلوغ يقوم عليها الإنسان ويتمحور شغلها الشاغل حول الإنسان. مشيرا إلى أن المدونات هي عبارة عن مجموعة من الأحاسيس والخواطر والمذكرات واليوميات التي يسجلها إنسان ما عن قضية أو بلد ما. ويضيف الخبير: البلوغرز اليوم أشبه بـ الإعلام البديل لأنه يحول الإنسان نفسه إلى حالة فريدة. فبعد أن كنا نرى الرسالة الإعلامية على أنها عبارة عن أفكار ومتلقي ومرسل أصبح بمقدور أي إنسان أن يصنع هو بنفسه الرسالة الإعلامية.

ويستدرك يقين قائلا: لكن للحقيقة فإن هناك مشكلتين تبدوان لنا عندما نتحدث عن البلوغ في بعض الدول العربية، ألا وهما أن هناك فجوة بين الناس التي تستخدم البلوغ ، فنسبة النشطاء السياسيين أصلا منخفضة جدا. والبلوغ هي أداة تجميع وتعريف أكثر منها أداة تغيير، ويتوقف مدى وجود فرصة من عدمه على عدة ظروف اقتصادية وسياسية ومجتمعية. هذا فضلا عن ان من يتعاملون مع الإنترنت كوسيلة عصرية هم نخبة قليلة، وغالبا ما يكونوا فئة من الشباب المثقف أو المتعلم الذي يعيش في الحضر، والذي يعيش في المستوى المتوسط.

وهناك بلد سقط نظام الحكم فيها بالرسائل النصية ( SMS)، وهناك عدد كبيرة جدا يستخدمون البلوغرز كوسيلة للتفاعل السياسي.

مزايا الـمدونات

الجميل في موضوع البلوغرز أو المدونات أنه أعطى صورة وانطباعا جيدا عن المستخدم على أنه إنسان محترم، ولذا فقد أصبحت المدونة أشبه ما تكون بصفحة الرأي. حتى غدت فكرة المدونات أقرب إلى كونها فرصة للتعبير عن الرأي. ففي البلوغرز يتكلم الناس بحرية ويتناولون موضوعات مهمة، وكلما اتسعت الدائرة كلما زاد التأثير. ومن المؤسف حقا أننا في عالمنا العربي، حتى اليوم، لا نستخدم سوى 10 % فقط من إمكانات الإنترنت، بينما مازلنا بعيدين عن 90 % من هذه التكنولوجيا. وبالنسبة لأهم مزايا البلوغرز أو المدونات فالمزايا كثيرة أهمها:

كسر الحاجز النفسي وحاجز الخوف لدى المواطنين، وفتح الباب أمام التعبير عن الرأي مع إمكانية التخفي عبر الإنترنت من خلال الظهور بأي اسم، ونشر لا مركزية العمل السياسي، وتحقيق مفهوم العالمية والتواصل والتفاعل.و المدونات ألغت أيضا حواجز الزمن، وتخطت حدود الجغرافيا، كما قضت على الخوف الذي هو بالأساس شعور وهمي ووقتي؛ متى استطاع الإنسان أن يهزمه فقد تحرر منه، كما ألغت قيود اللوائح والقوانين؛ فلم يعد هناك ضابط ولا متحكم فيما يكتبه الإنسان سوى ضميره وأخلاقه وأمانته.

الظاهرة تتسع عربياً

بدأت فكرة المدونات بشكل عام منذ سنوات عدة في أميركا وأوربا، غير أنها بدأت تنتشر في العالم العربي منذ فترة قريبة، ويرجع ذلك لعدة أسباب في مقدمتها أن لدى بعض المواطنين العرب بصفة خاصة نزوع ورغبة في الخروج عن العقلية العربية، لذا تجدهم أسرع الناس إلى تقليد كل ما هو غربي، أضف إلى ذلك المستوى المادي المرتفع والفراغ الكبير الذي يعيشه الشباب خاصة المرفه.

وختاما، فإن خبراء الإعلام ينصحون كتاب المدونات بنشر ما يعتقدون أنه حقيقي فقط، فإذا كان ما يقولونه مجرد تخمين فليوضحوا هذا في المدونة. وإذا كانت المادة محل الكلام منشورة على الشبكة فعليهم أن يضعوا رابطا لها عندما يشيروا إليها، فهذا مما يدعو لمزيد من الثقة فيما يقولون. وأن يكتبوا كل تدوينة كأنهم لن يتمكنوا من تغييرها؛ بأن يضيفوا ولا يحذفوا أو يعيدوا كتابة أي تدوينة.