غربت شمس حياة الشاعر عبدالله بن بيات حين وافته المنية عام 1998 عن عمر ناهز التاسعة والسبعين، لكن شمس شعره بقيت متألقة، لكونه من الشعراء الذين تركوا بصماتهم الواضحة في الحركة الشعرية الشعبية الخليجية عموماً، وفي الإمارات خصوصاً.
حيث قدم كثيراً من النماذج الشعرية المتميزة التي كانت تتمحور في مساق البنية الشعرية للشعر الشعبي، كما صاغ كثيراً من القصائد الوطنية والغزلية والقصائد الاجتماعية والدينية والحكمة، التي جمعها أبناؤه بين دفتي ديوان «عود ميثاء» الذي أعده الشاعر راشد شرار وأصدرته دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، بهدف الولوج في الجوانب اللغوية والفنية والمضامين الفكرية لقصائد بن بيات، إلى جانب سيرة حياته وأهم محطاتها وآثارها.
توهج
تفخر الحركة الشعرية العربية بروادها ومبدعيها في مجالات الشعر كلها، سواء أكان شعراً تقليدياً، أو شعر تفعيلة، أم شعراً شعبياً، وإنها كذلك تسمو بهم وتتألق، نظراً لما تقدمه قريحتهم من إبداعات ونتاج، وحين يجتمع الإبداع الشعري لدى الشاعر مع إبداعات فكرية واجتماعية وثقافية، فإن التألق يزداد توجهاً ورونقاً، وهو الأمر الذي حققه عبدالله بن بيات.
بصر
تقول بثينة عبدالله بن بيات: كان والدي يعاني من ضعف في البصر، هذا الضعف الذي استمر حتى فقد نور عينيه، ولكنه رغم ذلك كان محباً للشعر النبطي وحافظاً له وملازماً مجالس الحكماء، وقد كنت وأشقائي نتناوب على وصف الأماكن والمواقف له حتى يتخيلها، إلى جانب التناوب على كتابة قصائده وتجميعها، لأنه أوصانا – رحمه الله- بتوثيقها في ديوان اختار اسمه بنفسه وهو «عود ميثاء».
شغف
وأضافت: في أقل من عام قمنا بتجهيز القصائد التي بلغت نحو 50 قصيدة، ووضعها بين يدي الشاعر راشد شرار الذي عمل بشغف كبير لمساعدتنا على تحقيق حلم والدي، رحمه الله.
وتابعت: تميزت قصائد الوالد ـ رحمه الله- بتراكب وتناسق بين العناصر الفكرية والإيقاعية والتصويرية، كما تفوح الحكمة من بين حنايا السطور في شعره، حين يدعو إلى المحبة والخير والتسامح، ويرفض الحسد والنميمة والكراهية.
وطن
وتابعت: لازم والدي حب الوطن، وكان الانتماء وحب الإمارات لا يفارقه أينما حل وارتحل، ورغم أسفاره إلى الهند والكويت، إلا أن قلبه ظل نابضاً بحب الوطن، وقد انعكس ذلك في شعره بوضوح.
يلحظ المتتبع لسيرة بن بيات الشعرية، أن بذرة الإبداع الشعري قد نبتت في روحه الحالمة، وأنها سرعان ما نمت وتألقت وأينع نبتها، فأثمرت نتاجاً شعرياً عميقاً، صيغ ووظف في قضايا شعرية متعددة، وهو ما نعكس في نتاجه الشعري، حيث أبدع كماً غنياً من القصائد الشعرية المُشكلة الأغراض والأساليب، وهذا النتاج الشعري، إن دل على شيء، فإنما يدل على حيوية الشاعر، وخصب القريحة الشعرية لديه.
فلسفة
ولا يقتصر هذا النتاج على الكم فحسب، بل في الكيف، حيث يلمس القارئ والمتفحص تنامياً وتطوراً إبداعياً ملحوظاً، على صعيد الفكرة والأسلوب، إذ نراه يشق بسفينه الشعري عباب بحار إبداعية، ترفدها روافد وجدانية، إنسانية، غزلية، وطنية واجتماعية، يبصر من خلالها مستقبل أمته ووطنه من جهة، ويلمس نبض روحه ووجدانه من جهة أخرى، علاوة على فلسفته الفكرية الجمالية العميقة، التي لونت نتاجه الشعري بلون جديد لتشكل في مجموعها مادة شعرية غنية، تمثل بوضوح الإبداع الشعري لدى شاعر شعبي أصيل.
جمال العيون
يسود الجانب الغزلي شعر عبدالله بن بيات، وجمال العيون هو القاسم المشترك الذي يجمع معظم قصائده الغزلية، ويبدو أن للعين مكانها في قلبه، ولعل مرد ذلك إلى ما تحمله من الجمال والأسر، إضافة إلى لغتها العشقية المؤثرة.
