شكلت قضايا الإبداع الشعري ومفردات التراث الإماراتي، موضوع احتفاء وتشجيع جائزتي «راشد للتفوق العلمي» 2013، و«العويس للإبداع» في دورتها الرابعة، كونهما ينسجان أهزوجة جمال وفخار عنوانها الوطن والهوية.
إذ خصت الأولى بجائزتها رسالة دكتوراه معنونة بـ«الرؤيا والتشكيل في الشعر الإماراتي المعاصر» للباحثة عذبة خليفة شاهين الغفلي، والتي حصلت عليها من كلية الدراسات الإسلامية واللغة العربية في دولة الإمارات - العام الجامعي 2012 - 2013، وتناولت فيها تطور الشعر الإماراتي المعاصر واتجاهاته والتشكيل البنائي.
اشتملت دراسة عذبة خليفة شاهين الغفلي، على مقدمة تمهيدية تبسط الإشكالية التي فرضت وشكلت قضية البحث، بجانب دوافع معالجة الشعر وبحث مسائله وبيان منهجه وإيضاح مفاهيمه الثلاثة: مفهوم الرؤيا والرؤية، تطور الشعر الإماراتي واتجاهاته، التشكيل البنائي الذي تلبست به تلك الرؤى.
مدح ورثاء ورؤى إنسانية
يضم الباب الأول من الدراسة، خمسة فصول، يتناول الأول منها: رؤيا الإنسان الفرد. وينطوي على 3 موضوعات: الحب ومعانيه وألوانه وفيه ستة أبحاث، المديح «انطلاقاً من مدح الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم».. ثم مدح الحكام، الرثاء وفيه أربعة أبحاث «رثاء الحكام، رثاء الأهل، رثاء الأصدقاء، رثاء النفس».
أما الفصل الثاني فجاء تحت عنوان الرؤيا الاجتماعية، واشتمل على موضوعين، الأول «الحياة الاجتماعية قبل النفط»، بينما تناول الثاني «الحياة الاجتماعية بعد ظهور النفط». ودرست عذبة في ثالث الفصول موضوع الرؤيا الإنسانية في القصيدة الإماراتية من حيث: الهموم الاقتصادية، الهموم الوجدانية، الغربة والاغتراب. وفي الفصل الرابع «الرؤيا السياسية بكل دوائرها»، رصدت الباحثة جملة جوانب في الشأن: بدءاً من حب الوطن والهوية الوطنية، انطلاقاً إلى الرابطة القومية وقضايا الأقطار العربية.. وصولاً إلى موضوع الحرية.
وتمحور الفصل الخامس حول الرؤيا الدينية التي حاولت الباحثة من خلالها استشفاف ما فيها من محطات عقدية، فوجدتها تتمركز حول أربعة موضوعات: وحدانية الله تعالى، الحلال والحرام، فلسفة الموت والحياة، قدسية الشعائر الدينية.
اللغة والحقول الدلالية
تناول الباب الثاني في الدراسة، التشكيل الذي جسد الرؤى الخمس.. وفيه ثلاثة فصول. إذ اعتنى الأول باللغة فتناول المعجم الشعري من حيث دلالة الألفاظ التي تشكل عتبة الانتقال إلى الرؤيا والتشكيل الفني.. والحقول الدلالية من حيث الألفاظ الدينية والطبيعة والحزن والفرح والمرأة. ثم تناولت عذبة الغفلي موضوعات: الأسلوب من حيث المفهوم وأسلوب التناص، أسلوب الخبر والإنشاء والتكرار والتقديم والتأخير، الوحدة العضوية.
وعنونت الموضوع الرابع بـ«التراث ودوره في بيان الرؤيا»، وختمت هذا الفصل باستعراض أهم ما جرى التوصل إليه من استنتاجات من حيث مدى مقدرة الشعراء على توظيف تقنيات الأسلوب وأثرها في فعالية الرؤى التي أتوا عليها، شارحة كيف ظهر الطابع الخاص وتفرد كل شاعر في نسيج القصيدة.. وكذا كيف اختلف هذا التفرد باختلاف الموقف والرؤيا، وفق معطيات الموقف والحالة النفسية للشاعر والتي أجمع علماء النفس أنها في تغير مستمر.
أوزان وإيقاعات
وعرضت عذبة خليفة شاهين الغفلي، في الفصل الثاني، لماهية الصورة الشعرية من حيث تعريفها وأنواعها.. كما تلمست آثار الرمز والأسطورة بوصفهما صورة، راصدة دورهما في بنية القصيدة الإماراتية المعاصرة، وكيفية إسهام هذه العناصر في بلورة الرؤيا ووضوحها. وفي الثالث والأخير، حكت عن موسيقى الوزن والإيقاع بنوعيه.. وبينت كيف عبرت الأوزان والإيقاعات عن توترات النفس الشاعرة وما تركته في المتلقي من أثر، مع تفسيرها دور ذلك كله في تشكيل جماليات القصيدة ووضوح الرؤى فيها وإبراز فعاليتها.
جائزة العويس للإبداع
«التراث الشعبي في دولة الإمارات العربية المتحدة»، كان موضوع البحث الفائز بجائزة العويس للإبداع سنة 1993، للباحث أحمد شكري محمد عبدالله. إذ درس فيه الباحث: الشعر الشعبي، الغوص أغاني وأهازيج، الزواج وحفلاته (العيالة)، الصيد والصقور، القهوة العربية والموال.
ويستهل عبدالله محاور دراسته لافتاً إلى أن الشعر الشعبي يعرف في دولة الإمارات بـ(الشعر النبطي)، ومعروف أن النبط هو الماء الذي ينبط من قعر البئر إذا حفرت، ويقال فلان لا يدرك نبط أي لا يعلم قدر عمله وغايته.
ويشير الباحث إلى أن هذا النوع من الشعر العامي بدوي الأصل والنزعة، مؤكداً أن أفضله ما يعكس لنا حياة البادية وأحوال مكانها من: حروب وكرم ووصف الجمال والأفراس.. وبعض المهن التي عمل بها أهل المنطقة، ذاك مثل: الغوص ورعاية النخيل.
«الطواشة» و«تجارة اللؤلؤ»
ويوصف الباحث في دراسته الغواصين القدامى في الدولة بكونهم نفط الإمارات القديم، ويشرح أنه عرف عن الغواصين صمودهم أمام الأخطار وقدرتهم على التحمل، كما عرف أهالي المنطقة بـ«تجارة اللؤلؤ» أو أعمال «الطواش»، كذلك حظيت هذه التجارة في ذلك العهد باهتمام كبير من قبل سكان المنطقة، والتي كانت فيها مجموعة كبيرة من الطواشين الذين يملكون أساطيل ضخمة من السفن الكبيرة.
حرص
كما توسع الباحث في علاجه موضوع الحياة الاجتماعية وتقاليدها في الزواج وحفلاته، والفرق الموسيقية المصاحبة (العيالة) وفرق الرقص الشعبي والغناء الجماعي. ولفت إلى أنه كان للقهوة العربية حضورها كموروث وتقليد شعبي حرص عليه أبناء المنطقة، فهي رفيق السمر والحديث، ولها مكانتها في كل المجالس، ومن المتعارف عليه أنه من المعيب أن تكون الوليمة والكرم بمائدة عامرة بما لذ وطاب ولكنها خالية من القهوة.. وهكذا تناول العديد من الشعراء القهوة في أشعارهم وأطالوا في مدحها ووصفها.
ويختم أحمد شكري محمد عبدالله دراسته مع: صيد الصقور ومكانته في التراث الشعبي الخليجي بشكل عام، مبيناً أنه توصلت لجنة التراث إلى نتيجة مفادها أن أي دراسة فولكلورية تخلو من الإشارة إلى الفن الشعبي المتمثل في الصيد بالصقور، هي دراسة ناقصة.
قنص
تطرق أحمد شكري محمد عبدالله في دراسته عن التراث ومفرداته، إلى أنواع الصقور والفرائس التي تُصطاد، مفسراً لماذا يرتدي الصقر البرقع ومدى أهمية ذلك بالنسبة للقنص. كما لم يفته التعريف بالموال وشكله وبنائه المحكم الذي لا يتعدى السبعة أشطر أو أقل، ولكنها أشطر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعرى فنية هي غاية في الإتقان.
